هل صحيح ان اليمين المتطرف ينمو في اوروبا بشكل مخيف؟
وهل صحيح ان نمو هذا اليمين يشكل خطرا متعدد الاطراف علينا نحن العرب؟ خطرا على المهاجرين العرب الذين يعدون بالملايين هناك.. خطرا على العرب كعنصر باعتبار هذا اليمين عرقيا لا ساميا، وخطرا آخر يتمثل في دفعه اليهود الى الهجرة الى اسرائيل؟
نمو اليمين في اوروبا ظاهرة حقيقية لكن الاعلام، الخاضع لسيطرة اللوبيهات اليهودية في معظمه يهول من شأنها اكثر من حقيقتها بكثير.
ففي سويسرا صوت ناخب من اصل كل اربعة لصالح اتحاد الوسط الديمقراطي وفي النروج حصل حزب التقدم على 25 مقعدا في البرلمان مقابل عشرة مقاعد عام ،1995 في بلجيكا سجل الحزب الاستقلالي 12% من اصوات الناخبين كما حصل مثيله الدانمركي »حزب الشعب« على 10% في حين تراجع وضع هذا اليمين في فرنسا بسبب خلاف لوبان ميغري وتقدم في ايطاليا اما النمسا فقد حققت التقدم الاكبر بتقدم حزب هيدر الى المرتبة الثانية وتأهله للحكم.
بانوراما سريعة تكاد تقول »كما ارادها الاعلام المعادي خاصة اليهودي« ان الرياح السوداء قادمة.
لكن تدقيقا اعمق يقود الى جملة ملاحظات مخالفة سواء اوروبيا ام عربيا.
اولها ان هذا اليمين الذي يرسم وكأنه حالة واحدة متشابهة ليس كذلك في واقع الامر وثمة افتراقات اساسية وتفصيلية بين اراء ومواقف هذه الاحزاب، حتى داخل البلد الواحد فليس حزب الاتحاد الوطني الايطالي مثلا مشابها لحزب السندرا موسوليني وليس حزب اتحاد الوسط الديمقراطي السويسري مطابقا لحزب الشعب الدانمركي.
لكن من يريد تصوير هذه الاحزاب وكأنها سمفونية واحدة يهدف الى اسباغ ملامح الخطر والشيطنة عليها لمحاربتها.
ثانيها ان هذا »اليمين« هو ردة فعل طبيعية متعددة الاوجه:
ردة فعل تلقائية على انهيار اليسار العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وسائر القوى التي راهنت عليهما.
وردة فعل اخرى متمثلة في موقف يجمع هذه الاحزاب ضد النفوذ اليهودي في اوروبا، وهنا تكمن نقطة الخطورة القصوى فالاعلام والقوى السياسية الاخرى يحاولان ان يصورا هذا الموقف بانه موقف عرقي لا سامي ضد اليهود بصفتهم يهودا. مما يستثير ذكريات النازية، وعواطف وتعاطف الانسانيين.
لكن مقاربة للموقف من زاويتين: متابعة الحدث السياسي، والاحتكاك المباشر بهذه الاحزاب يقود الى غير ذلك تماما.
صحيح ان ثمة تنظيمات »خاصة بين الشباب« عرقية ومتعصبة واحيانا عنيفة لكن هؤلاء يشكلون اقلية اما الغالبية الاخرى خاصة في القيادات فهم اناس »يمينيون« او »قوميون« او »متحررون من عقدة الذنب« تجاه الماضي ماضي الحرب العالمية الثانية. هكذا وببساطة ناس لهم الحق ان تكون لهم رؤيتهم.
واذا كان نمو شعبيتهم يعود فعلا الى ردة فعل فان ذلك امر واضح ومبرر ولعل تقدم سويسرا والنمسا في هذا الخط خير دليل على ذلك، ففي الاولى لم يسجل هذا اليمين قفزته الانتخابية الا بعد قصة التعويضات الابتزازية التي »لويت بها ذراع« الحكومة السويسرية السابقة: عندما رفضت الحكومة الالتزام بالتعويضات التي طلبها اليهود، فانبرى اللوبي اليهودي الاميركي وجعل واشنطن تهدد بسحب ارصدتها من البنوك السويسرية، مما اضطر الرئيس الى الاستقالة بعد ان رفض الاعتذار لتأتي مكانه رئيسة يهودية، وتقر التعويضات، بناء على تقرير لجنة شكلتها برئاسة يهودي اخر، اهتدت الى ذنب مفاده ان سويسرا باغلاقها حدودها خلال الحرب خوفا على نفسها حرمت اليهود من امكانية الهرب اليها.
اوليس من الطبيعي بعدها ان ينحاز المواطن السويسري الى اليمين الذي يدافع عن استقلاليته وكرامته وماله؟
كذلك الامر تماما بالنسبة للنمسا حيث كانت قضية المستشار فالدهايم والوقاحة التي اثارها اليهود سببا في ردة فعل لا بد وان يحسها اي مواطن يمتلك كرامة.
اما في النروج فان اطرف استنكار صرح به اللوبي اليهودي هو ان تنامي عدد مقاعد حزب التقدم سيسمح له بان يرشح واحدا من الخمسة الذين يشكلون لجنة جائزة نوبل للسلام وكأن في ذلك اعترافا صريحا بان هذه اللجنة قلعة حصينة للنفوذ اليهودي لا يحق لاحد اختراقها.
وهنا ننفذ الى الوجه الاخر من ردة الفعل هذه على القمع الفكري والموقفي والعلمي قبل ان نعبر الى الظروف الاقتصادية ومن ضمنها وضع المهاجرين..
والى الغد