«يجب ان نكون اثنين، لنرقص التانغو»
ايهود باراك
الرجل العازف، الشفاف، الراقي، ينحني امام السيدة الجالسة بأناقة واسترخاء، يده على صدره احتراما ويمد الاخرى مبسوطة في دعوة أنيقة للرقص.
بذات الاناقة تستجيب السيدة، تلتقي كفان في الهواء وتتوزع كفان بدلالة انيقة.. كفها على كتفه، تكاد تلامس.. كفة وراء ظهرها، تقود الحركة كلها، وتضمن انسياب الايقاع الموحد دون عثرات..
أهذه هي الصورة التي يريدها ايهود باراك دلالة موحية لما سماه: اعادة اطلاق مشروع السلام، عندما كرر جملته تلك فتلقفها الاعلام، خاصة الغربي، وراح يكررها بعده كلما تناول تعثر المفاوضات مع سوريا.
الرجل الانيق الشفاف المهذب، ينحني امام السيدة لكن السيدة الناقصة اللياقة، تدير وجهها عنه، فتستحيل الرقصة.
هذه بقية الصورة.. المسكوت عنه في الفن، الموحي به… لماذا ترفض السيدة؟ لان لها عند الرجل الأنيق ماسة ثمينة اسمها الجولان، تطلب منه ان يعيدها، او ان يلتزم باعادتها كاملة، كما سرقها بالخلع والكسر والقتل قبل اثنين وثلاثين عاما.
اما الرجل الانيق فيصر على ان يتفاوض على ذلك مع رفيقته، خلال الرقصة، اي ان يظل مدى ما يعيده «وفي ذلك انه لن يعيد كل المسلوب»، طبيعة الاجراءات الامنية التي تضمن له الا تنتقم السيدة او احفادها يوما من فعلته، وتعهد منها بانها لن تستحم يوما في بحيرة اهلها المسماة طبريا..
اجل طبريا، تلك التي لم يستطع سواها ان يغسل قطيع الخنازير من الشياطين التي دخلت اجسادها عندما طردهم السيد المسيح من جسد المجنون.. تتركنا اليوم نتساءل: اهو افتقار مرحلتنا الى مسيح كنعاني آرامي جديد، ام هو عجز اصاب الماء، ام استعصاء اعتصم به شياطين العصر؟
الرجل الانيق يكرر الدعوة من على منبر الكنيست والسيدة لم تجب، فيهز الاعلام الغربي رأسه حزنا واسفا على الفرصة الجديدة التي ضاعت..
يهب كل شركاء الحفل، الديبلوماسية الاوروبية الامريكية، العراب الكبير شخصيا، ولا وصول الى صيغة انطلاق آخر المتوسطين، هيوبرت فدرين، خرج من القاعة، وهو يصلح عقدة ربطة عنقه مزهوا باسما: لقد تمكن من رفع الحاجز..
ربما لان السيدة لا تريد ان تعطيه دورا ومنة.. لكن هل يريد الرجل الانيق ذلك؟
الطريف ان السيدة لا ترفض الرقصة وانها كادت تبدأها مع أبيه لولا ان الموت كان اسرع.. انها تحدثت منذ عام 1991 عن «سلام الفرسان»، وهي تنتمي الى عالم عربي يسبق فيه القول الفعل دائما مما يعطي للكلمات وقعا وأهمية معتبرة..
وانها ابلغت جدة شامير منذ عام 1992 انها مستعدة للحوار.. وفعلا ارسلت مندوبا عنها ليلتقي يوسي بن أهارون في جنيف في نيسان 1993.
واذا كان هذا اللقاء وغيره مما تبعه لم ينجح، فان حلول الاب رابين محل الجد، وحلول اينامار رابيفوفيتش محل بن أهارون خلف جوا منذرا ببداية الرقصة.
لكن الموت كان اسرع..
الاخ الاخر، الوريث كان يفضل الاحتفاظ بالماسة، فهي، وان لم تكن تحمل شحنات عاطفية توراتية تلمودية كثيرة، فانها تحمل ثلاثة عناصر من اهم عناصر المأساة: الامن، المياه، الاستيطان. وكلها ملفوفة بذكريات الحرب اجل، فالشرفة البازلتية الطبيعية هي اضا قصر للمياه يربض عند قدمي حرمون المكسو بالثلج طوال العام ثلج بدون ذوبانه تجف فروع الاردن، خاصة فرع بانياس، وينخفض مستوى طبريا.
الرجل الانيق يعرف انه ببعض الضغط والتوسط قادر على حل مشكلة الأمن والاستيطان لكن حرب المياه التي بدأت رسميا منذ مؤتمر قمة القاهرة عام 1964 ما تزال هي الاهم والاخطر..
الرجل الانيق يعرف ذلك جيدا، هيأ له ملفاته.. وراح يدعو الى الرقصة..
وهو يعرف ان من طبيعة التانغو، ومن الشائع فيها، ان يتمكن احد الطرفين، وبسهولة من جعل رفيقه يتعثر ويرتبك بمجرد افتعال حركة خاطئة «فركشة».
كما يعرف ان الرجل الداعي، هو الذي يقود حركة ومسمار الرقصة وعلى ايقاع واحد مضبوط. ولكن من هو حاكم الايقاع؟ الموسيقى؟ العازف؟
الجنرال الاسرائيلي البارع في العزف، يعرف اهمية ذلك.
الجنرال الاسرائيلي احتكر دور الرجل هو الذي عرف كيف يتحول الى فتاة غواية شقراء عندما اراد ان يرقص تانغو الموت في فردان.