* القدس عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل ولن اصنع السلام بأي ثمن
* نريد الانفصال عن الفلسطينيين من اجل اسرائيل اقوى وليس امام عرفات مايربحه بالعنف
المقابلة التي اجرتها صحيفة (اللوموند) مع ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي ، تكشف للمدقق حقيقتين هامتين: الاولى حقيقة الاعلام الغربي المنحاز والمتحيز والذي يتضح انه ليس اكثر من مروج للاعلانات، وكلما كانت الطريقة اجمل واكثر اتقانا كانت السلعة المروج لها اسوأ واكثر ضررا، وهو بالضبط ما فعلته (اللوموند) في هذه المقابلة.
الحقيقة الثانية، ان المقولة التي اصبحت مرفوضة بعد ان «ارتفعنا» الى مستوى الحضارة الغربية والقائلة بأن لا فرق بين صهيوني وصهيوني الا اللغة او الاسلوب.. هي مقولة صحيحة تماما يثبتها باراك – آخر رسل السلام الى المنطقة – في هذه المقابلة.
وكمثال على الحقيقة الاولى – حقيقة اللوموند – لا بد ان نلاحظ ان الصحفي الذي اجرى المقابلة مع باراك، انهاها بشكل مدروس تماما عندما اختتم اسئلته باعطاء القارىء معلومة تبدو هامة وهي ان باراك الجنرال هو فنان مرهف الحس يعزف على البيانو وكل ما يشكوه هذه الايام عدم توفر الوقت لممارسة هوايته الموسيقية! اضافة الى ذلك كل الاسئلة وبالذات التي تبدو منطلقة من الموقف الفلسطيني لا تعكس تعاطفا بقدر ما تتيح فرصا لرسم افضل واكمل الصور لباراك.
ان حقيقة باراك نفسه ، فهي واضحة ويظهر فيها نقطة من بحر حزب العمل الذي عرف بمراوغته ولفظيته وزيفه، بالرغم من ان باراك يدعي – في المقابلة – انه فاز على منافسه في الانتخابات، بنيامين نتنياهو لانه قال لناخبيه الحقيقة! فما هي هذه الحقيقة عند باراك؟
على طريقة حزب العمل وزعمائه، لا يجد باراك صعوبة في ترديد الكلام العام المغموس في مرارة الواقع ولكن المحلى باعتراف كاذب بحقائق الواقع نفسه، وبعد ان يعترف بأنه يجد نفسه في باراك الجنرال وفي مكتب رئيس الاركان ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات العسكرية، يجيب عن سؤال حول امكانية التوصل الى اتفاق نهائي مع الفلسطينيين خلال عام فيتحدث عن واقعيته التي تؤكد انه لا طريق بديلا عن مشروع السلام بالرغم ان ذلك سيجبره على التنازل الذي يشعره بأنه يقتطع «جزءا من جسده» ، وهذا ما سيجعل المفاوضات قاسية من اجل «اسرائيل اقوى».
وعلى طريقة معلمه رابين يركز باراك على مقولة «الامن» ليظهر السلام الذي يتحدث عنه مجرد «جو عام» للامن الذي يريده لاسرائيل فهو لا يريد ان يصنع السلام بأي ثمن ولا بأية شروط»، وانما بشروطه هو، بالرغم من انه يلزم اثنين لرقصة التانغو!! فـ «القدس عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل.. ونقطة»! وعلى الفلسطينيين ان يفهموا ذلك وان يسلموا به ويقبلوه! وكذلك «لا عودة لحدود 1967 ولا سلاح غريبا غربي الاردن..» الخ
وباراك يجدد القول بأنه لن يسمح لاحد ان يمس امننا ادنى مساس، حتى ولو طلب مني ذلك جميع قادة العالم، كما انني لن ارضخ لاية ضغوط.. لكنه «مستعد لكل انفتاح ومستعد لتفهم مصالح اي طرف آخر..» شريطة ان لا يخدش ذلك «لاءاته» و«امن اسرائيل» وقدرتها «على الدفاع عن النفس»!
«المحرر»
في مكتب وزير الدفاع
س: نحن هنا في مكتب وزير الدفاع في تل ابيب، لا في مكتب رئيس الوزراء فهل لاستقبالك هذا دلالة خاصة؟
ج: كما تعرف، انا ايضا وزير للدفاع.. ولذلك اقضي هنا يومين في الاسبوع، الخميس والجمعة، كي اظل على اتصال وثيق بمساعدي العسكريين، اضافة الى ان هذا المكتب كان مكتبا لرئيس الوزراء، سابقا، وقد طلبت ان تعلق فيه صورة لبن غوريون.. هنا ايضا عمل رابين، ويجب ان نضع فيه بعض الكتب، لكننا حكومة جديدة، ولم نجد بعد الوقت الكافي للاهتمام بكل ذلك.
س: لكنه ايضا مكتبك عندما كنت رئيسا لهيئة الاركان؟
ج: لا، مكتبي كان في الجهة الاخرى من الممر، ولكنني امضيت هنا مئات الساعات عندما كنت مديرا للاستخبارات العسكرية، او مديرا لمكتب التخطيط، او مساعدا لرئيس هيئة الاركان، واخيرا رئيسا للاركان.. كنت دائما هنا، على هاتين الكرسيين.. اجلس مع رابين، وقبله مع موشيه ارينز وغيرهما من وزراء الدفاع.
س: هل تشعر بانك مرتاح هنا، اكثر منك في مكتب رئيس الوزراء؟
ج: نعم، اشعر انني مرتاح عندما آتي الى هنا، انه مكاني، وكل ما اجريته من تغيير، هو تغيير وضع الكراسي حول طاولة الاجتماعات، مع انني كنت اشغل كرسي الرئيس عندما كنت عسكريا، ولكن ثمة شعورا بان هناك رئيسا جديدا هنا، قبل خمس سنوات كنت ما ازال بالزي العسكري، قائدا للجيش في مكتب لا يبعد من هنا الا ثلاثين مترا، وقبل اقل من اربع سنوات اغتيل رابين ايضا، اذ انه هو وبيريز، من ادخلني عالم السياسة، بعد خمس وثلاثين سنة من الحياة العسكرية، فرابين هو من طلب الي ان اتولى وزارة الداخلية، وبعد اغتياله كلفني بيريز بوزارة الخارجية، وبعد اشهر من خسارته الانتخابية اصبحت زعيما للحزب حيث اضطررت الى منافسة الرجل الذي ادخلني عالم السياسة، مما اثار العديد من التعليقات.
ان بيريز هو دون شك قائد سياسي كبير، ورجل رؤية متميز، لكن الظرف كان يفرض علينا يومها، ان نتخذ اجراءات حاسمة لكسب معركتنا السياسية، في حكم البلاد من جديد، فما الفائدة من العمل في السياسة اذا لم يؤد ذلك الى الوصول الى الحكم؟
كل هذا حصل في وقت قصير جدا، وما زلت اذكر اسماء جميع المسؤولين العسكريين الذين كانوا يعملون هنا، بل انني من عين العديد منهم، ولذلك اشعر بحميمية كبيرة ازاء كل ما يجري في هذه الوزارة لدرجة انني عندما عدت الى هنا رئيسا للوزراء، لم احتج لاكثر من ست ساعات كي ادخل الجو، واحسست انني لم اغادر المكان ابدا.
س: هل تقول بذلك انك عسكري اكثر منك سياسيا؟
ج: لا يمكننا ان نقول ذلك، صحيح انني كنت طوال السنوات السابقة في اعلى المراتب العسكرية، لكنني كنت اعالج قضايا ملتحمة التحاما وثيقا بالسياسة، فهما حقلان لا يمكن فصلهما، اذ ان كل مشكلة تنشب هنا، تنعكس في الجانب الاخر، لا يمكن ان نتناول قضية الامن مثلا من منظور عسكري فقط، بل يجب تناولها من حيث قوة الاقتصاد، وقدرة الدولة على تحمل نفقات الالة العسكرية، وقضية التوازن بين صادراتنا وانتاجنا المحلي، تعيدنا الى جذور طبيعة اقتصادنا كبنية لقوى العمل.
ففي بلد يضطر فيه الجميع الى حمل السلاح من مدير المؤسسة الى امين صندوق البنك نجد ان التراتبية الوظيفية تنعكس، في الجهاز العسكري عما هي عليه في الجهاز المدني المهني.
في مجتمع يقاتل لاثبات حقه في الوجود، علما بان حجمه كله لا يتجاوز حجم مقاطعة في فرنسا، في بلد كهذا تشعر، عندما تكون قائدا للجيش، بانك في خدمة الجميع، لا ممثلا لقطاع ذي مهام مهنية محددة ، وضيقة.
السلام .. من اجل اسرائيل اقوى
س: انت تتحدث عن اتفاق نهائي مع الفلسطينيين خلال عام، فهل ذلك من باب المبالغة في التفاؤل؟
ج: انا لست متفائلا، انا واقعي، فبعد ان امضيت سنوات طويلة في الحرب، وبعد ان راقبت، كمساعد مقرب من رابين، ثم لبيريز، ما حصل خلال السنوات الست الاخيرة، منذ اوسلو وحتى قبلها، خلال الانتفاضة.. اعتبر انه ليس هناك طريق بديل لمشروع السلام الذي نسلكه، صحيح ان الانفصال دائما عملية مؤلمة، ونحن هنا لا ننفصل فقط عن الفلسطينيين وانما عن جزء ملموس فيزيائيا من حضارتنا المختزنة في ارض اسرائيل، التي كانت مهدها، الامر بالنسبة لي اشبه بقطع جزء من جسدي، من دماغي، لكنني اعرف اننا لا نستطيع غير ذلك، والمشروع ما يزال في بدايته، نحن نعرف كل شيء، عن الموقف الفلسطيني، وهم يعرفون كل شيء عنا.
س: هل تقصد انه لم يعد هناك ما تتفاوضون عليه؟
ج: لا، انا لا اقول ذلك، المفاوضات ستكون قاسية، لكن لا بديل، فاما ان نسجن انفسنا داخل مأزق صعب، واما ان ننجح، واذا كنت قد حرصت على ان اكون على رأس تحالف عريض، فذلك لانني اردت ان اجمع داخل هذا التحالف جميع المواقف المختلفة من مشروع السلام، اردت ان ادخل عناصر من الفريق السابق، وعناصرمن المهاجرين الروس من اليمين ومن الحزب القومي الديني ومن شاس واعتقد انها افضل وسيلة للعمل، وافضل اسلوب للتوجه الى محاورينا الذين لا يستطيعون في هذه الحال ان يشكوا في اننا نمثل اسرائيل بكل تنوعاتها، لا حزبا واحدا من احزابها كما ان ذلك اسلم لنا ايضا لاننا نشعر بذلك اننا نواجه صعوباتنا معا، فيما يشبه عملية التطهر، (كاتارسيس)، ومعالجة الجراح المفتوحة والناتجة عن هذه الانقسامات الرهيبة التي ادت الى مقتل رابين.
انا اريد ان اقود اسرائيل الى حالة من التفاهم والحد المشترك، كي اجعلها اقوى، واعتقد ان بامكاننا ان نجعل البلد اقوى بالانفصال عن الفلسطينيين، واتباع هذه الطريق المؤلمة المؤدية الى السلام، اذ لا بديل، واذ ان السياسة القديمة كانت تقودنا الى وضع لا حل له، كما حصل بعد اتفاق «واي» ولو ان الامر استمر على ذلك لاتخذ الفلسطينيون مبادرات من طرف واحد ولرددنا نحن بمبادرات مشابهة، ولانفجرت اعمال العنف من جديد، وربما كانت المجموعة الدولية ستدعم الفلسطينيين لا نحن، هذه المرة.
يضاف الى هذا المنظور دور اساسي بحسب تقييمي للامور، وهو انه اذا كان لا بد من الاختيار بين السلام وبين جر اسرائيل الى دورة عنف اشبه ببلفاست او بالبلقان، فان الخيار الاول هو الاصح، خاصة واننا لا نعيش في اوروبا الغربية، وانما في منطقة قاسية، ولن يعطينا احد فرصة ثانية اذا لم نكن قادرين على الدفاع عن انفسنا، لذلك اعتقد ان قوتنا ستبقى ضمانتنا الوحيدة، لسنوات طويلة قادمة، حتى ولو وقعنا اتفاقيات سلام مع جميع جيراننا، ولا اعني بذلك قوتنا العسكرية فقط، وانما قوتنا الاقتصادية والعلمية والاستراتيجية ونظامنا التعليمي والتكنولوجي كذلك فان تحقيق الاندماج الكامل داخل شعبنا سيكون هاما.
لنر حال الامور الان: نحن اقوياء، محيطنا قاس، وقد انفتحت امامنا فرصة بانهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها قد تغلق خلال الاعوام الخمسة او العشرة القادمة، اذا ما تمكن ديكتاتور ما من امتلاك السلاح النووي والقدرة على اطلاقه، اما الان فنحن البلد الاقوى في محيط 1500 كيلو متر حول القدس، فلماذا بحق الشيطان لا نتجرأ على تحقيق السلام؟ لا يمكن لاحد ان يظن انني سانزع سلاحنا، او اخفض من قدراتنا الدفاعية، ولكن بدلا من الاستمرار في انفاق مواردنا على مواجهة حالة عداء، لماذا لا نحاول جديا ان نحل المشاكل التي تسبب هذا العداء؟
وعندها يمكننا ان نوجه انفاقنا للتعليم، لمستوى المعيشة، للعلوم، وللبنى التحتية.
واعتقد ان بامكان جيراننا ان يجروا التحليل ذاته، فليست هذه القضية لعبة خاسرة، ولا اعتقد ان ما هو جيد لنا هو بالضرورة سيء لهم، والعكس بالعكس، ففي السلام ما يمكن ان يحقق ربحا للجميع، وانا ارى فرصة للجميع.
س: هل هذا هو الجديد في الامر؟
ج: اجل، حتى ولو لم يكن لدي اوهام حول المفاوضات: اعرف انها ستكون قاسية، وصعبة حول جميع الملفات.
القدس عاصمة اسرائيل الابدية.. ونقطة!
س: ذاك لان مطالبكم عالية: القدس تحت السيادة الاسرائيلية، المستوطنات باقية، العودة غير مقبولة الى ما بات يسمى باسرائيل.. فكيف يمكن لكم ان تتخيلوا ان بامكان محاوريكم ان يتبعوكم على هذا الطريق؟
ج: ما هو التحليل الذي يمكن للفلسطينيين ان يتبنوه؟
محاولة الحصول على كل شيء، والانتهاء بكوسوفو؟ علينا ان نحافظ على مصالحنا الحيوية، مع تفهم ان للطرف الاخر عذاباته وحاجاته، واذاما توصلنا الى اقناعهم باننا لن نساوم على مصالحنا الحيوية المتعلقة بالامن، مع رغبتنا الاكيدة في السلام، واننا لذلك مستعدون لتفهم حاجاتهم ومصالحهم، فسيكون بامكاننا على ما اعتقد، التوصل الى اتفاق.
انها فرصة فريدة، حيث اننا امضينا آخر خمس عشرة سنة في صراع مع الفلسطينيين حول نزاع عمره مئة سنة، ثم حققنا مع رابين وبيريز، وخلال ثلاث سنوات تقدما ملموسا لكن السنوات الثلاث من حكم نتنياهو كانت اقل نجاحا، فيما يخصني، لا استطيع ان اعد بشيء: فانا لا اريد ان اصنع السلام بأي ثمن ولا بأية شروط، لكن لا بد من ان نكون اثنين كي نتمكن من رقص التانغو، انهم يحتاجون الينا ونحن نحتاج اليهم، واذا ما كانوا جادين ومسؤولين، تمكنا من الوصول الى ذلك.
س: الجميع يفهم اهمية القدس للاسرائيليين فهل تفهم اهمية القدس للفلسطينيين؟
ج: اسمع، موقفنا من ذلك واضح: القدس عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل (ونقطة نهاية).
اعرف ان الفلسطينيين يفهمون الامر بشكل مختلف، ومناحيم بيغن هو الذي اعطاهم، خلال كامب ديفيد، فرصة طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات، اما انا فقد ادليت دائما بتصريحات واضحة حول القضايا المعلقة، وانت تعرف ذلك: لا عودةالى حدود 1967 ، لا سلاح غريبا غربي الاردن، الحفاظ على الكتل الاستيطانية تحت السيادة الاسرائيلية الخ.. لكنني لا اريد ان اقول اكثر، فنحن في مستهل عملية تفاوضية، ولن اقوم بالتفاوض عبر جريدة لوموند.
س: هذا مفهوم، ولكن عليكم ان تفهموا بان القدس ذات اهمية حيوية للفلسطينيين؟
ج: انا رئيس وزراء اسرائيل واعرف ان عرفات يهتم بمصالح شعبه، لكنني افضل الا ارد مباشرة على اسئلتك، مرة اخرى اقول: افهم ان للفلسطينيين امنياتهم، وحاجاتهم، وان علينا ان نتفاوض، ولكن حاول ان ترى المشكلة التي على عرفات ان يراها: ليس امامه ما يربحه من الخوض من جديد في دورة عنف، واذاما فعل، فسنقوم بدفن موتانا، كما يقوم هو بدفن موتاه، ثم نجد انفسنا امام النقطة ذاتها، امام نفس القضايا التي تتطلب حلا.
س: ليس الامر قضية اراض وحدود، وكل الصراعات تبدو ، في هذه المنطقة، ممكنة.
ج: كما ان المرء لا يختار اهله، فانه لا يختار جيرانه، فالفلسطينيون سيبقون هنا الى الابد، ونحن سنبقى الى الابد، اذن لا بد لنا من حل، وهذا ما لا يمكن ان يتوصل اليه، الا حكام يتمتعون بالجرأة، بالمسؤولية، ووضوح الرؤية، اضافة الى ظرف دولي مؤات، وهو ان المجموعة الدولية هي الان على استعداد لان تتبعنا، ولدينا جميعا علاقات ممتازة مع اهم قادتها: شيراك، شرودر، بلير، كلينتون.
ولكن مرة اخرى: موقفنا بسيط وواضح: القدس عاصمة موحدة ابدية لاسرائيل (ونقطة).
لا بد من «تنازلات مؤلمة» في الجولان
س: حسنا، هذا واضح، ماذا بشأن الجولان ، هل ستعيدونه؟
ج: قبل ثلاث سنوات التقيت نتنياهو خلال اجتماع لمستوطني الجولان بمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين سنة على وجودهم هناك، وقلت لهم: انا معجب بكم، لانكم من الرواد الاصيلين في دولة اسرائيل، فلو اننا لم نضع هنا، على الجولان، الا مدافع ودبابات، لكانت المجموعة الدولية قد اجبرتنا على انزالها، مما يعني اننا اذا كنا اليوم في وضع يسمح لنا بالتفاوض حول السلام مع سوريا، فانما بفضل هؤلاء الرواد.
وقلت لهم ايضا، عكس ما كان يقول نتنياهو: لا تبنوا اوهاما، اذ لا بد لنا من قبول تنازلات مؤلمة، اذاما اردنا تحقيق السلام، وكل من يقول لكم غير ذلك، انما يذر الرماد في العيون، عندها صرخوا محتجين، واستقبلوا نتنياهو استقبالا حارا، ان مستوطني الجولان رائعون، وانا لي بينهم العديد من الاصدقاء، واعرف مدى تعلقهم بالهضبة، مثلهم مثل الكثيرين في اسرائيل، فحتى ابنتي الصغرى التي تبلغ الثامنة عشرة من العمر تسألني: هل ستتنازل عن الجولان؟ هل انت مجنون؟
اقول كل هذا، لاوضح لك ان الامر لن يكون سهلا، لكنني مدين لهم، بقول الحقيقة: لا بد من حل وسط مؤلم، وخلال الانتخابات الاخيرة حصلت على اعلى نسبة من الاصوات في الجولان، لانني لم اكذب عليهم، وهذا ينطبق على اسرائيل كلها: لقد حققت اغلبية لم يحققها احد قبلي لانني اقول الحقيقة، وهذا ما يعطيني نوعا من الواجب الذي علي ان اؤديه، من الرسالة: ان افعل ما قلت انني سأفعله، وسأفعل.
س: يقال ان العلاقات بين فرنسا واسرائيل فاترة قليلا، فكيف تفسر ذلك، وهل تنوي ان تعمل لتحسينها؟
ج: نحن بلد صغير، ولكننا شعب قديم حافظ دائما على ذاكرته، هذا يعني اننا لا يمكن ان ننسى المساعدة التي قدمتها لنا فرنسا في الاوقات الاكثر حرجا من تاريخنا كدولة مستقلة، لقد عشنا عصرنا الذهبي مع فرنسا في الخمسينات والستينات، وذاك ما ساعدنا على البقاء في محيط صعب، وهذا ما ترك اثرا لا يمكن لنا ان ننساه.
س: كذلك، انتم لا تنسون الحظر الفرنسي على الاسلحة بعد 1967؟
ج: نحن لا ننسى ذلك ايضا، ولكنني اقول ان المساهمة الفرنسية في الحفاظ على بقائنا تتجاوز الازمات التي شهدناها والتي قادتنا الى هذه العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، والتي جعلتنا نقود طائرات اف 16 بدلامن طائرات الميراج الفرنسية علما بأن الـ اف 16 ليست سيئة.
لكننا نقدر فرنسا بعمق، واعتقد ان علاقاتنا في تحسن اكيد، فيما يخصني، علاقتي جيدة بالرئيس شيراك، وكذلك مع ليونيل جوسبان، وقبل فترة كنا زملاء في المعارضة ولكن لدينا ، نحن الاسرائيليين، فضلا عن ذلك، قيما مشتركة مع الشعب الفرنسي: حب الديمقراطية، والانفتاح الفكري، نتفهم ان لفرنسا علاقات تقليدية في المنطقة، مع سوريا ولبنان، كما كان لها سابقا نفوذ في مصر، وفي اسرائيل عدد من الناطقين بالفرنسية، والذين يقدرون الثقافة الفرنسية، وانا على ثقة اننا ما ان نحل صراعاتنا هنا في المنطقة، حتى تعود العلاقات مع فرنسا الى سابق عهدها.
لا حاجة للمبادرات الاوروبية
س: هل تحسون بذات المشاعر تجاه اوروبا؟ ثمة شعور بأن الاسرائيليين ينظرون الى الاوروبيين كخصوم؟
ج: هنا ايضا، انا متفائل، لقد قلت لجميع المسؤولين الاوروبيين الذين قابلتهم منذ تسلمي لمهامي، بانني اتفهم مبادراتهم ازاء الفلسطينيين، ولكن طالما ان في اسرائيل اليوم حكومة مستعدة لان تفعل كل شيء لتحقيق السلام، فان تحفظات الاوروبيين بشأن المرونة والحلول الوسط، لم تعد ذات معنى.
لقد امضيت عمري في الدفاع عن هذا البلد، ومكافحة الارهاب، ولن اسمح لاحد بأن يمس امننا ادنى مساس، حتى ولو طلب مني ذلك جميع قادة العالم، ولكن اذا ما بدا ان بعض التدابير ضرورية لارساء التفاهم المتبادل، فسأبادر اليها من تلقاء نفسي، دون حاجة الى ضغوط المجموعة الاوروبية.
لم يعد من الضروري الضغط علينا، كما انني لن ارضخ لاية ضغوط، لكنني من جهة اخرى مستعد لكل انفتاح، ومستعد لتفهم مصالح اي طرف آخر في سبيل الوصول الى توازن بين رؤيتينا، والمساعدة التي يستطيع الاوروبيون تقديمها ، هي ان يتحدثوا الينا والى العرب، بطريقة غير منحازة، ان يستمروا في دعم افكار التعاون، والسلام والديمقراطية ، الانفتاح الاجتماعي، والشفافية، باختصار كل القيم المشتركة بيننا وبينهم.
س: انت عازف بيانو، وقد قرأت انك تشكومن عدم توفر وقت لممارسة هوايتك هذه متى كانت آخر مرة عزفت فيها.
ج: قبل ليلتين.
س: ماذا عزفت؟
ج: البولونية الثالثة لشوبان.
ترجمة: حياة الحويك عطية