اذ نقول بخطر ايديولوجيا الاتصال، المشابه لخطر كل الايديولوجيات الامبريالية، التي تجعلك تتبنى مقولاتها وتتلبس ارادتها، وتنظر من خلال عينيها. فان ذلك لا يمكن ان يعني التخلي عن منجزات الثورة التقنية التي جعلت من الاتصال ايديولوجيا، لا يمكن ان ترفض الفاكس او الكومبيوتر او الانترنت وبريده السريع.
ان ترضى البقاء خارج سياق الزمن، خوفا من سيطرة المتحكمين بهذه الثورة، والمتحكمون بها هم منتجوها: اجهزة ومعلومات تطبيقا لقانون بسيط ان المنتج هو جاني الفوائد.
الحل البسيط والذي يتبادر الى الذهن، هو المشاركة في عملية الانتاج هذه.
لكنه حل من باب ارسال عربي في سفينة امريكية الى القمر، لأن مشاركتنا في الانتاج، لن تتعدى تجميع قطع الجهاز المنتج، في افضل الاحوال، وبكمية جزئية بسيطة.
اما المشاركة في انتاج المعلومة فانها عملية ممكنة، وان كانت تحمل صعوبة كبيرة ناجمة عن تحكم القوى الكبرى ببرامج المعلومات واهدافها، لكن ثمة امكانية تظل قائمة على الاقل في مجال المعلومات التي تخصنا، تاريخنا، ثقافتنا، حياتنا العامة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. مشاكلنا، قضايانا، تمهيدا لخطوة اكبر هي المشاركة في نظام المعلومات الذي يخص الاخرين.
غير ان التحصن الافضل والامثل، الذي يمكننا من الافادة من منجزات الثورة التقنية والاتصال، هو تركيز عملنا الثقافي والتربوي على تجذير خصوصياتنا الحضارية، ووعينا القومي، في سياق يجعل من الانفتاح على القرية الصغيرة التي اصبحها العالم اشبه بماء الري المشبع بالاسمدة والمواد المغذية، تترع منها الشجرة فتتفرع وتخضر.
فالوعي السياسي، يجعلك قادرا على فرز ما ينهمر عليك من معلومات وتحليلات موجهة مبرمجة، والوعي الثقافي يجعلك قادرا على ادراج المنتج الثقافي في اطار الاكتساب والتفاعل والاستثمار، في عملية انتقاد وهضم وتمثل ضمن سياق مشروع ثقافي واضح ومؤسسي، بناء على خط حضاري محدد لكل امة، وهادف الى تحقيق مصالح ورؤى محددة.
والوعي الاجتماعي الاقتصادي، يضعف تأثير قيم السوق والاستهلاك التي لا يمكن ان تصب في صالح واقع كواقعنا.
انه سيل، وسيل جارف، لكن لا بد من السباحة فيه، وذاك يتطلب مهارة استثنائية، والا فالغرق.
شارك|