لم يعد الخبر يحتل «المانشيت» الرئيسي في الصحف.. ولم يعد المتلقي للاذاعة او التلفزيون يتوقف عنده..

ليس لانه لم يعد خطيرا..

بل – ولعن الله الاعتياد – لانه اصبح مألوفا..

هذا التوصيف ينطبق على خبر قصف لجنوب لبنان، او خبر مجزرة في الجزائر، او خبر اشتباكات في يوغوسلافيا، واخيرا.. على قصف جنوب العراق..

لقد تنبأ جان بيير شفينمان، في كتابه الصادر عام 92 بعنوان «فكرة معينة عن الجمهورية..» بان النظام العالمي الجديد، بعد حرب الخليج، سينشر ظاهرة «اللبننة» في مناطق كثيرة من العالم.

كثيرون استنكروا انطباق هذا الكلام على العراق – في حينه – وكثيرون ردوا بحماس بان العراق ليس لبنان، فثمة دولة قوية هنا تمنع حصول ما حصل هناك.. وقد فهموا ان اللبننة هي الحرب الاهلية والتقسيم.

غير ان العودة الى واقع النزف اللبناني تبرهن على ان عمق ما حصل هو من جهة، فتح جرح نازف في خاصرة ما، وتركه يستنفد الجسد طاقته، ومن جهة اخرى، تقطيع اوصال، وخلق حواجز تعيق الدورة الدموية الطبيعية في الجسم، فتحرمه بالتالي حيويته وطاقته، دون تحقيق تقسيم فعلي على الارض، لانه – حتى حصول ذلك السوء – قد يخلق حالة ما من الاستقرار توقف النزف، ولان تغيير اية خريطة بشكل رسمي معلن، يستوجب استحقاقات ما، والدخول في اشكالات بالغة التعقيد، محليا واقليميا ودوليا.

لذا تظل هذه الحالة الرجراجة النازفة، هي الاكثر راحة بالنسبة للعدو، والاكثر مواتا بالنسبة للضحية.

ولذا يصبح هذا الوضع القائم في العراق، شماله، وجنوبه.. وكله.. وضعا اسوأ بكثير من وضع الحرب ذاتها.

ليس فقط بالنسبة للعراق نفسه بل لجميع دول المنطقة التي يتم استنزافها تحت ستار التخويف او الضغط او التلويح..

فما الذي سيحلحل الوضع باتجاه وضع اخر؟ ونقول يحلحل لا يحل، من باب الواقعية الموضوعية التي لم تعد تتجرأ على الاحلام السحرية والقفزات.

هل ثمة كوة للضوء غير التوجه نحو تعاون عربي، حول الحد الادنى من القواسم المشتركة، المتمثلة في المصالح الاساسية للعالم العربي، في عصر لم يعد يعترف الا بالتكتلات الكبيرة؟