كل «كونسرتو» هي «حدث» بتعبير الموسيقي الفرنسي الكبير اندريه جوليفي.
ولكن كيف يحدد هذا المبدع الذي يعتبره الكثيرون من دارسي الموسيقى، الموسيقي الفرنسي الكلاسيكي الاول في هذا العصر، من حيث الابتكار والحضور، مفهوم «الحدث».
انه يعود الى اشتقاق الكلمة الدالة على الدين: اسما وصفة Religion – Religieux من فعل وصل (Pelir) ليقول ان ارقى ما في احساس البشر ازاء الخلق، هو ذاك الاحساس الذي يثيره لديهم بالتواصل والوحدة.
ليضيف: «من المؤكد انني حلمت دائما بان تكون موسيقاي موصلا كهربائيا، تيارا مغناطيسيا» «كان هدفي دائما ان اؤلف اعمالا قادرة على ان تحدد لدى المتلقين، هذه الحركة الموحدة هذا التواصل».
الا تنسحب مقولة جوليفي هذه على حقول الابداع الاخرى، فهل ان قاعة قراءات شعرية مثلا، شيء مختلف؟ ومثلها معرض فنون تشكيلية؟
صحيح ان التفاعل الكيماوي بين (أ) المادة الفنية و «ب» المتلقي، يشكل حصيلة مختلفة كلما اختلف «ب» واختلفت بالتالي المعادلة الكيماوية، لكن سؤالا آخر يقود الى اكتشاف عبقرية العمل الابداعي الحقيقي:
ما هي قاعة مستمعين: اوليست، سلسلة من الذبذبات الفردية، تجمع من الذهنيات، من الكائنات البشرية التي يملك كل منها خصائصه المختلفة عن الآخر، وانشغالاته وهمومه الخاصة؟
وبالتالي اليس العمل الناجح هو الذي يستطيع ان يفرض نفسه، ويعطي لهذا التنوع وحدة، يجمع كل هذه الذبذبات في موجة مغناطيسية هي موجة العمل. وتتحول الاختلافات نفسها، بل والمواقف النقدية، سواء اكانت ردات فعل شعورية ام مواقف عقلانية، الى نغمات متعددة تشكل معا رد المتلقي على المرسل، وانفعاله به او لنقل انعكاس العمل الفني لدى جمهوره.
بهذه القدرة الخارقة، يستطيع عمل ابداعي ان يجمع ما بين نخبويته وفرادته وبين جماهيريته، بين ابتكاريته واصالته، بين استجابته لفيض الذات ورسالته الانسانية، عندما سئل جوليفي مرة ان يصف الموسيقى، قال:
«انها تعبير سحري عن غريزة التوحد الديني لدى الجماعات الانسانية».
وبهذا يكون تجلي هذه العريزة، حول عمل فني استطاع ان يمتلك عبقرية خلق «التوحد» عبر «التواصل» هو «الحدث».