الانهار العميقة

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

«امام طفل يموت جوعا»، لا وزن لكتاب «الفتيان»

هل اضحت هذه العبارة التي قالها سارتر بعد الحرب العالمية الثانية لتؤسس لتيار الادب الملتزم مجرد عنوان لمرحلة من تاريخ الادب والفكر؟

هل وصلت كل قضايا الانسان الى حلولها، ام الى تحللها، ليصبح من حق الكاتب اما ان يسكن برجه العاجي، وأما ان يهوّم ويطفو فوق موج ذاته، او موج يتقاذف ذاته؟

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس ليلوزا، يجيب ان الواقع يفرض على كل كاتب مسؤولية مدنية تحرم عليه ذلك، ويعود فيخصص: نحن في الاند مسكونون بالقضايا التي شغلت وتشغل كتابنا..

وانا اعترف بانني ما زلت اعيش تأثير عبارة سارتر.

تأثير جعل هذا الكاتب الاكثر شهرة في البيرو، ينقب عن رواية لكاتب سبقه بخمس وعشرين سنة، ويعيد نشرها مع دراسة نقدية وافية عن صاحبها. تقديرا لاهمية الرواية ووفاء لاهمية جوزيه- ماريا ارغيداس.

انها البيرو، الارض التي تلتقي عليها ثقافتان: الاسبانية والهندية، تتبادلان الحقد، والكراهية، والمواجهة، في صراع لا حل له، وان يكون قدر الطفل الابيض جوزيه- ماريا، ان ينشأ بين اطفال هنود، فانه يشاركهم تمزقهم وآلامهم.

يجلس الطفل ساعات امام النهر يرقب «البلبل» الخشبي يفلت من خيطه، يدور، يدور بدروشة دوامية، الى ان يهدأ ويهوي، ويهوي مرة في النهر العميق الى لا عودة.. تظل الصورة عالقة في الروح، الى ان يطلق الكاتب على روايته عنوان «الانهار العميقة».

لكن كتابة الانهار العميقة لا تساعد صاحبها على الافلات من تشظّيه، من عذابه امام عالم لا خيار فيه، للمغلوبين على امرهم الا الخضوع المذل، او التمرُّد العاجز.. عالم يفرض علينا دفن الحلم في امالي يفرضها علينا عقل بدون روح، فلماذا لا نفلت منه كما البلبل السكران، لنغوص في قاع النهر المتدفق الذي يحفر مجراه جبارا لا مباليا.

بلى.. رصاصة واحدة تكفي..

هل كان ارغيداس يعرف خليل حاوي.. ام العكس؟

الرصاصة وحدها تمضي دون ان يهمها ان تعرف.

لكن ما كان مؤلما هو ان الرصاصة لم تصب فقط صدغ ارغيداس بل اصابت حضوره واعماله، خاصة رواية «الانهار العميقة» حتى ان اسمه غاب عن الفورة الاسبانية التي اصابت باريس في الستينات خاصة بعد ان اطلق غاليمار اول ترجمات اميركية لاتينية، يشبعه روجيه غالوا ويكشفان للعالم قارة ابداعية هائلة امادو- استورياس- بورجيس- كارنبتيه- كورتازار- ساباتو- وماريو للوزا.. كلهم كسبوا شهرة عالمية الا ارغيداس.

بعد ثلاثين سنة قرر للوزا الانتقام من الرصاصة ليس فقط باعادة نشر الرواية، وانما بتقديم قراءة نقدية لها انطلاقا من قناعته القائلة:

«من الصعب، ماضيا وحاضرا، في اميركا اللاتينية الا تكون كاتبا ملتزما ذاك ان تقل انعدام العدالة الاجتماعية ما يزال ساحقا، وحجم الظلم ما يزال فضيحة، ولذا تشكل كل رواية وثيقة فعل ادانة واتهام.

قطعا دون التضحية بالفن على مذبح الايديولوجيا».

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون