«دعم الابداع، لاجل حفظ الهوية» هو الشعار الذي يرفعه المثقفون الاوروبيون، الذين يسكنهم الخوف من «النموذج الموحد» الذي تتطلبه وتبنيه ثقافة السوق.
وهم اذ يستذكرون مقولة جان مونيه، الذي يعتبر الاب الروحي لفكرة الوحدة الاوروبية: «اذا كان علينا ان نبدأ من جديد في كل شيء، فيجب ان نبدأ من الثقافة»، فانما ينبهون الى ان هذا الشعار قد تراجع وراء مقتضيات كثيرة فرضت نفسها على اوروبا بعد الحربين العالميتين، واذا كان من المتوقع ان يؤدي ابتعاد ذاكرة الحرب الى احيائه، فان ارتباط فكرة الوحدة بفكرة السوق، ومجال الاقتصاد، قد جعل الاهتمام بالثقافة يتراجع اكثر بدليل ان الميزانية الاخيرة للمجموعة قد خصصت اربعمئة مليون يورو للثقافة، من اصل ستمئة مليار، هي مجموع الميزانية بين عامي 2000 و2006.
والسؤال الذي يلح علينا هنا يقفز من كل ثنايا الفكرة: «حفظ الهوية»، «دعم الابداع»، «السوق» و«النموذج الانساني الموحد».
نحن المهددون اكثر من اية امة اوروبية بضياع، او على الاقل بلبلة هويتنا، نحن الذين لم يعد بأيدينا الا الثقافة والابداع للحفاظ على الذات.
نحن الذين ندخل «السوق» لا بفعل ارادة الانضمام اليه، ولا بواقع سوق عربية مشتركة، وانما بسوق شرق اوسطية تفرضها علينا السوق العالمية، دون ان نكون فيها الا الادوات، ودون ان يكون لوجودنا ثقل المخطط المنتج، ومن هنا يصبح للنموذج الموحد المطلوب منا ان نكونه ملامح تتجاوز في خطورتها كثيرا ملامح الصورة التي يخافها المثقفون الاوروبيون، ملامح نمطية، سطحية، متلقية، منفعلة، مقلدة، خانعة، ينعدم فيها التمييز بين الحقيقي والاشباه، بين الجوهري والشكلي البراني.. ملامح فم مفتوح، وجيب مفتوح، وعقل مفتوح على صفير الهواء فقط..
ملامح وجود منقطع الجذور، فاقد الاحساس بامتداد الذات وبقيمتها، او مدعيها دون سند حقيقي واع.
اجل فعندما سيغمرنا بحر السوق سيكون القش وحده هو الذي يطفو.. اذا لم يكن الابداع قد اعطي الفرصة الحقيقية الفاعلة، واذ نقول الابداع لا الثقافة، فانما المقصود هو الثقافة المبدعة، اذ ان لكل خط ثقافته.
