اسئلة!

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

في كتاب الحكايات والاساطير والاحلام لاريك فروم، رواية عن امرأة حلمت بانها رأت قطة وفئرانا، وتساءلت بعد ان استيقظت لماذا لا تكون مئة فأرة اقوى من قطة واحدة؟

لكنها بعد يومين نظمت قصيدة موضوعها قطة سوداء في حفل غطاه الثلج الابيض وقد احاطت بها مئات الفئران، كانت الفئران تضحك من القطة لانها قاتمة السواء بحيث تميزت عن الثلج بوضوح، وتمنت عندها لو انها بيضاء كالفئران.

وعندما قرأت القصيدة على زوجها، قال لها: هذا تفسير حلمك، لقد تماهيت مع القطة، وشعرت في البداية بالفخر لانك الاقوى، لكنك، في الوقت نفسه لم تلبثي ان وجدت في الامر مهانة واذلالا لان الفئران التي تتخيلينها اضعف منك، ترى سوادك بوضوح، دون ان يكون بامكانك الاقتراب من لون الثلج او حتى التخفي.

انه مأزق اللون ربما قدره، وقدر العلاقة الجدلية الغموض، بين القوة والضعف، بين الحلم والواقع.. بين اسئلة تتفجر كالمفاجأة، مما يكون الانسان قد اعتقده اجابات، او اراد له ان يكون اجابات.

* * *

دير معزول، وعدد من المنظرين الايديولوجيين يجتمعون بامر الملك، ليناقشوا على مدى ثلاثة ايام ما اذا كان الهنود الحمر، بشرا ام لا؟

هل ان لهم ارواحا عادية كسائر الناس؟

الحدث يدور غداة اكتشاف العالم الجديد على ايدي الاوروبيين، والهدف منه ايجاد مبرر لاهوتي لابادة السكان الاصليين: الهنود الحمر.

تلك هي ثيمة العمل المسرحي الذي كتبه مؤخرا جان كلود كاريير، تحت عنوان « تناقضات فالا دو ليد» وفالا هو اسم الدير الذي يدور فيه العمل المسرحي او الجدل الفكري الذي تمتد دلالاته افقيا لتشمل ما لا حصر له من مشكلات هذا العصر الذي البس زي الهنود الحمر لاكثر من شعب، لاكثر من جماعة، ولاكثر من فرد وعاموديا لتعيدنا الى ما قبل اكتشاف العالم الجديد، ومجزرة هنوده على يد بيضه، ومن ثم مجازر كثير ممن يحلو له ان يشبههم بالهنود. الى المرحلة الرومانية، ونظرية الامبراطورية والبرابرة، وارض الامبراطورية والاراضي المجهولة Terra incognita يوم كان كبار مفكري روما يعتقدون بان افواه اهل هذه الاراضي لم توجد الا لتلتقط الحب عن الارض كالحيوانات وان لهم «فتحات» في وجوههم تشبه وجه انسان الامبراطورية، لكن من حيث الشكل فقط.

* * *

هل يبدو من باب الهذيان ان نربط حلم امرأة اريك فروم، بمسرحية فالادوليد، بسؤالنا الانساني الوجودي؟

الا يمكن ان يكون محمود درويش قد حلم مثلا بالقطة والفئران، بعد ليلة قرأ فيها الخطبة الحقيقية الاصلية، لزعيم الهنود الحمر المهزوم امام البيض؟ ثم استفاق من حلمه ليكتب رائعته الشعرية؟

وهل يكفي كل ابداع السلالة الالفية التي يتحدر منها هذا الشاعر، لالغاء اسئلة مسرحية «كاريير»، حول اعتراف الانسان بالانسان؟

هل كانت حضارة المايا الرائعة كافية لدحر هذا السؤال؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون