لماذا الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الخمسة مليون الا قليلا؟ لماذا البلد الذي كان يسمى “حديقة فواكه”الاتحاد السوفييتي السابق واصبح دخل الفرد فيه بعد الاستقلال لا يتجاوز 15 دولارا شهريا، وحيث اصبح المعاش التقاعدي، للجيل السابق الذي بنى اقتصاد ومنجزات البلاد، لا يتجاوز 6 دولارات في الشهر. بعد ان نهبت خزينة الدولة تماما، وبلغ حجم الدين العام 2 ملياري دولار، مما يساوي 66 بالمائة من الدخل القومي،في خلال سنوات معدودة من الحكم “الدمقراطي” بزعامة ادوراد شيفارنادزه ؟
الانها دولة صغيرة متعددة الاتنيات مما يسهل عملية التغلغل فيها وتفجيرها، واستعمال بعضها ضد بعض؟
الانها دولة عازلة” بين روسيا، من جهة، وتركيا ـ اكبر حليف استراتيجي لاميركا، والقاعدة الناتوية الاوراسية الوحيدة ـ من جهة اخرى، ما يجعل منها ” مفتاحا جغرافيا ” للستراتيجية الاميركية الدولية؟
الان روسيا ما تزال تشكل رغم كل شيء، الخطر رقم واحد، على اميركا؟ الخطر الحقيقي في ضوء الالتباس الكبير، والافتعال الاكبر فيما يخص بادعاء خطر الارهاب الاسلامي ومكافحته؟
الانها تقع في وسط القوقاز، على الحدود بين العالمين السلافي ـ المسيحي، ولا سيما روسيا، من جهة، والاسلامي، تركيا وشعوب آسيا الوسطى، من جهة ثانية. في حين ان السيطرة على القوقاز، المحاذية لتركيا، شرط رئيسي لا يمكن بدونه تحقيق السيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى التي تؤلف جزءا رئيسيا من حوض بحر قزوين، خزان الطاقة الكبير الذي تطمح الاحتكارات الاميركية للاستيلاء عليه، وحرمان روسيا، بالاخص، من امكانية الاستفادة منه ومن موقعها بجواره، كمعبر بينه وبين اوروبا الغربية؟
الان الحكم الروسي قد استطاع تحجيم الصراع مع الشيشان الى دائرته المحلية فقط، مؤكدا على ان الصراع السوفييتي – الاسلامي، قد انتهى الى غير رجعة، ومن هنا استطاع بوتين ان يقدم على خطوات كبيرة باتجاه التقارب مع العالم الاسلامي؟
الان هذا العالم الاسلامي، بات في شق منه يشكل عدوا حقيقيا لاميركا، وهذا ما تتمثل افضل وسائل مقاومته، بالالتفاف عليه، بعدة وسائل منها تشكيل اسلام اميركي مقابل؟
الانها عسكريا قد تحولت الى قاعدة اميركية بعد ان وافق شيفارنازده على استقدام قوات عسكرية اميركية، هي الاولى من نوعها التي تتموضع في القوقاز، وذلك تحت ستار خبراء ومدربين، لتدريب الوحدات الخاصة في الجيش الجيورجي على “مكافحة الارهاب”. ومن ثم تبعتها ثلة من الخبراء العسكريين والاستخباراتيين الاسرائيليين بلغ تعدادها 2500 عسكري وخبير، اضافة الى سيل الاسحة والعتاد.
الانها ونتيجة لذلك قد تحولت الى قاعدة استخباراتية اميركية، غربية، تركية، اسرائيلية؟ ولانها في الوقت نفسه القاعدة الاساس للمتمردين الشيشان، مما لا يشكل فقط خطورة على وحدة روسيا وانما على علاقتها بالعالم الاسلامي من جهة، وعلى الحركات الاسلامية في كل مكان من العالم، حيث تحولت الى قاعدة لتجنيد الاسلاميين، ضد روسيا وضد بلدانهم وحركاتهم الام.
فجورجيا لا تدعم الشيشان عبر تقديم المقر في مضيق بانكيس، على الحدود الشيشانية/الروسية ـ الجورجية،وتقديم المنبر الاعلامي السري، وعبر تمرير السلاح وتقديم المساعدات والتسهيلات،فحسب بل عبر ربطهم بالاجهزة الاميركية والاسرائيلية التي راحت تنظم تجمعاتهم العسكرية وتدريباتهم ومدهم بالسلاح والمؤن، وبالتالي توحد وتنسق معهم الخطط السياسية والعسكرية وتنظم لقاءات مسؤوليهم مع ممثلي السي ايه ايه والموساد ومع الاطراف الروسية “الصديقة” ولا سيما اليهودية (من امثال بيريزوفسكي. وفي هذه الاجواء تقدم جورجيا نفسها كمعبرلـ”المتطوعين” الاسلاميين، العرب والاتراك وغيرهم،الذاهبين لدعم الشيشان، مستغلة ذلك للتضليل او لتجنيد عناصر اسلامية جهادية، تحت ستار ” العدو المشترك ” و ” الصديق الداعم” و”تحضيرهم” بالشكل المناسب، للاضطلاع بدورهم الموالي للحلف الاميركي ـ الصهيوني ـ “الاسلامي” التركي، في الاطار الاسلامي العام، ومن ثم في بلدانهم الخاصة ذاتها. حيث تكون المهمة الاولى كشف ومحاربة الاتجاهات المعادية لاميركا والصهيونية ضمن مختلف التيارات الاسلامية، وتغذية الاسلام الاميركي وتلبية الحاجة الى تلفيق اية عمليات وظواهر يحتاجها الشحن النفسي الاميركي لتبرير العدوان والسياسات والتدخلات وايصال الاصدقاء الى مراكز القرار، كما يقطع الطريق على التلاقي الروسي ـ العربي/الاسلامي ضد السياسة العدوانية الاميركية ـ الصهيونية/الاسرائيلية.
ام، اقتصاديا لان روسيا المصدرة للغاز استطاعت ان تشكل خطرا جديدا على وروبا واميركا عبر دعوتها الى تشكيل منظمة للدول المصدرة للغاز، تضم كلا من ايران والجزائر وفنزويلا وقطر، مما يجعل منها معادلا موضوعيا للاوبيك، ومعادلا معاديا في غالبيته المطلقة، للسياسة الاميركية؟
من هنا ضرورة الحاجة الى الالتفاف على خطوط النفط – عل الاقل- التي تمتلكها روسيا نفسها او لتي تمر عبر اراضيها؟ وعليه كان اول ما طلبه الاميركيون من شيفارنازده هو ابرام الاتفاق على مد خط انانيب النفط القاري “باكو ـ تفليس ـ جيهان” في تركيا، الذي سيؤمن نقل النفط من اذربيجان، مزاحما خط باكو ـ نوفوروسييسك (على البحر الاسود في روسيا)، مما يعطل الدور الستراتيجي للارض الروسية كممر لنفط حوض قزوين الى اوروبا، ويقطع الطريق على تنمية العلاقات الروسية ـ الاوروبية الغربية، على حساب المصالح العليا الاميركية. كما ان من شأن هذا الخط ان يرفع بشكل استثنائي من اهمية تركيا في نظر اوروبا الغربية، ويجعل عضويتها، المؤجلة باستمرار، في “الاتحاد الاوروبي” بحكم المضمونة، لان اوروبا الغربية ستصبح بحاجة لهذه العضوية اكثر من حاجة تركيا اليها. كما انه ـ اي خط الانابيب هذا ـ سيقلل من الاهمية الستراتيجية العالمية لنفط الشرق الاوسط، ويزيد اوراق الضغط الاميركية ضد الدول العربية وايران وغيرها من الدول المنتجة للنفط، كما ويعزز الدور التركي في العالم الاسلامي عامة، وبمواجهة الدول العربية وايران خاصة.
الان اميركا اعلنت منذ مدة عن سياسة احتواء هادىء لما اسمته بالمربع التركي، اي المنطقة التي تحدها بلغاريا في البلقان، جورجيا في القوقاز بمواجهة روسيا، كردستان العراق، في قلب المنطقة العربية/الايرانية، وقبرص، بمواجهة سوريا ولبنان وفلسطين في شرقي البحر الابيض المتوسط. في حين ان نجاح هذا الاحتواء يعني تطويق روسيا الاتحادية وخنقها؟
الانها اخيرا كانت موقعا ممتازا لتمتين قبضة كماشة اسرائيلية على ايران، من شانها تامين دور ستراتيجي في حال اقرار توجيه ضربة عسكرية، ومثله في واقع الحاجة الى ذلك ضد حلف تشنغهاي الاخذ في التنامي والتحول الى حلف عسكري؟