لبنان: الخيماء ام استجابة؟

صحيفة الشروق، 12-06-2009

اهو شيء من الخيماء هذا الذي يلامس الطبقة السياسية اللبنانية؟

لكأن الخاسرين في الانتخابات التشريعية هم الغالبون، او لكأن الغالب الاكبر: سعد الحريري قد تحول الى حمامة سلام بين مختلف الفرقاء.

لا يكفي لتفسير ذلك القول بان حقيقة الربح والخسارة لا تتحدد بما يسمى الاكثرية والاقلية في البرلمان الجديد، بل في طبيعة الفرز الذي اكدته النتائج. فرز حسم نهائيا التمثيل الطائفي والمذهبي لدى الجميع. وكل من اراد التغريد خارج السرب وجد نفسه مقصوص الاجنحة، ومطروح ارضا. السنة امسكوا بالمقص وتابعوا عملية قطع جميع القامات التي تعلو على قامة سعد الحريري، في عملية بدات منذ استبدال والده لسليم الحص بغنوة جلول، وتكرس نهائيا مع شطب عمر كرامي واسامة سعد في هذه المرة. والشيعة اثبتوا من جديد ما هو ثابت من احدا لا يستطيع اختراق امل وحزب الله، حتى ولو خصصت له عشرات الملايين كما حصل مع احمد الاسعد، اما الدروز فقد عرفوا منذ 7 ايار ان يعضوا على جراحهم ويعودوا الى تحالف صلب لا مجال ايضا لاختراقه. هذا في حين يبقى نواب المسيحيين وحدهم منقسمين بين التيار الوطني الحر والقوات والكتائب وسليمان فرنجية والارمن وعدد قليل خارج كل هؤلاء  لا يمثلون الا انفسهم. علما بان ثمة فرز واضح داخل هذه التشكيلة يجعل ميشال عون وحده على راس كتلة مساوية لكل المتبقين، بما يكرسه دون جدل الزعيم المسيحي الاول.

ومن هنا، من هذه المعادلة الجديدة يمكن للمرء ان يقول ان التوازن في القوى هو الذي يدفع الجميع الى التهدئة، وربما ان اطمئنان كل زعيم الى وضعه داخل معسكره هو الذي يجعله يطمئن ازاء الاخرين.

تفسير اخر يسوقه اخرون وهو ان التفاهم بين السعودية وسوريا، حول التهدئة وحول حكومة  الوحدة الوطنية، هو ما يوزع الادوار بشكل محسوم ومرض للجميع.

وثمة اخر يعيد الامر الى تفاهم اخر – ضمن هذا التفاهم – هو اقتسام النفوذ في البلد بين حصة السعودية المتمثلة في الجانب الاستثماري عبر ال الحريري، والجانب الامني المتروك لسوريا عبر حلفائها وعلى راسهم  حزب الله.

غير ان كل هذه التفسيرات تبقى تتراوح بين من ينظر الى الواقع السياسي من ثقب الابرة، ومن ينظر اليه من ثقب الباب. اذ ان لبنان لم يكن يوما – او على الاقل خلال السنوات التسعة عشر السابقة- الا ساحة خلفية للصراعات القائمة حول المشروع الاميركي في المنطقة. فمنذ سقوط جدار برلين، وقرار الولايات المتحدة  الحتمي بجعل منطقة الشرق الاوسط قاعدة اساسية لترسيخ الامبراطورية، بدءا من السيطرة على منابع النفط  وعلى المناطق الستراتيجية والاسواق، كان لبنان بارومترا حساسا لكل التطورات والتحولات. في ال91 اطلقت يد سوريا فيه مقابل حفر الباطن، بل ومقابل قرار الجامعة العربية الذي لولاه لما كانت الحرب على العراق ممكنة.

وفي ال2003 اصبح الخروج السوري مطلبا اميركيا  ضروريا لتمرير مشروع الشرق الاوسط الجديد بعد تحقق الاحتلال في العراق وبروز المقاومة هناك بحجم غير متوقع، وبعد استقرار الهيمنة الكاملة على الخليج العربي.

في كل ذلك كان تكامل المصالح الاميركية مع الاسرائيلية كاملا: في العراق حصلت الاولى على الهيمنة السياسية والاقتصادية وحصلت الثانية على الحلم الاكبر في الستراتيجية الصهيونية: تدمير القوة الاكبر وربما الوحيدة التي يمكن ان تهدد اسرائيل، بما ترجم اولا بحل الجيش ومن ثم بتدمير كامل المؤسسات.

في الخليج حصل الاميركيون على كل ما يريدون ورغم التسلل غير المعلن الى شرايين الاقتصاد مازالت العين الاسرائيلية على التطبيع الاقتصادي الكامل، وهو ما اطلق عليه نتنياهو مصطلح السلام الاقتصادي.

في لبنان وسوريا وفلسطين، هناك الاستثمارات، ولكن هناك العنصر الاهم وهو المقاومة.

غير ان المشكل الرئيس الذي ظل يستعصي على الاميركيين وعلى الاسرائيليين معا فهو ايران.

في حين جعل اوباما من محور افغانستان – باكستان حربه الجديدة التي تجاوزت حرب بوش التي اقتصرت على الاولى.

ومن هنا فان الستراتيجية الاميركية الجديدة تعتمد شعارا واضحا ودقيقا: التهدئة في القضية العربية – الاسرائيلية هي مدخل التفرغ لايران وافغانستان- باكستان ( ومن هنا لم يكن غريبا ان يطلب اوباما من الملك السعودي الضغط على نواز شريف، ولعلنا لا ننسى زيارات الحريري الى باكستان )

هذه الستراتيجية الاميركية يتبناها الاوروبيون بدليل ما صدر عن اجتماع اوباما – ساركوزي من ان الرئيسان يريان ان امن اسرائيل امن اوروبا امن الولايات المتحدة، يمر عبر التسوية في الشرق الاوسط. موقف يتبناه قطاع كبير من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدت المعارض لايباك، والمتمثل في ( جي ستريت ) و (  يو اس ميدل ايست بروجكت). مما يفسر مشاركة عدد من اعضاء جي ستريت في فريق المراقبة الذي رافق جيمي كارتر الى الانتخابات اللبنانية، كما يفسر الرسالة التي وجهها الى اوباما  عشرة من كبار ستراتيجيي يو اس ميدل ايست بروجكت على راسهم هنري سيغمان الرئيس السابق للمجلس اليهودي العالمي وفولكر وسكوكروفت وبريجنسكي ، وهي رسالة يطلبون فيها من الرئيس  دراسة امكانيات الحوار مع حماس وحزب الله. وذلك اعتبارا منهم على ان التوصل الى حل هو مصلحة اميركية، وهو ايضا  مصلحة اسرائيلية لانه يجعل تل ابيب  اقوى في مواجهة ايران لدى المجموعة الدولية.

هنا يبز الدور الروسي الذي كانت تراهن عليه موسكو منذ امد ( وقد سمعت ذلك في لقاء خاص مع سيرجي لافروف في باريس قبل خمس سنوات ). دور تستعيد به موسكو مكانتها الدولية في موضوع معين، وتقيم عليه صفقة مع الادارة الاميركية الجديدة واسرائيل.وليس ادل من تصريح كارتر من دمشق عن رغبته بلقاء حماس، وتصريح فيصل المقداد بقبول دراسة الدعوة الروسية، وتصريحات سعد الحريري المتدفقة عن استعداده لاعطاء اية ضمانات يطلبها حزب الله حول سلاحه،ولقائه القريب مع حسن نصرالله، وتذليل العقبة القائمة امام مسالة الموازنة بما يرضي جمهور المقاومة. وتدخل وليد جنبلاط بسرعة لمسح تصريح مروان حماده فيما يتعلق برئاسة المجلس، ودحض تصريحات بعض اقطاب الموالاة المسيحة، الذين: اما انهم لم يفهموا المعادلة، واما انهم يرفعون الصوت ليقبضوا الثمن او ليثبتوا الحضور.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون