ساركوزي الحليف او المنافس

صحيفة الشروق، 30-08-2009

لا مجال للسلام دون توقف كامل للاستيطان، توقف واضح وكامل،  بهذه العبارة الحاسمة اراد الرئيس نيقولا ساركوزي ان يحدد موقفه الواضح من القضية التي تتصدر الاولويات في المسالة الفلسطينية. فهل اراد بهذا الحسم ان يبدو اكثر تصميما من حليفه باراك اوباما، او ان يشد من ازره.

ساركوزي بدا بالحزم نفسه ازاء افغانستان وازاء ايران. ولا شك ان الحزم هو من الصفات المعروفة عن الرئيس الفرنسي، لكن حيز الشخصانية في السياسات الدولية هو حيز ضيق خاصة في الدول الديمقراطية التي تعودت ان تنتظر الحساب الانتخابي بناء على امرين: مصالح المواطن على الصعيد الداخلي ومصلحة الوطن على الصعيد الخارجي.

صحيح ان هناك لوبيهات ومراكز قوى تلعب تاثيرها، لكنها لا تستطيع ان تمارس ذلك التاثير الا اذا اثبتت، او اوحت، على الاقل انه يحقق المصلحتين السابقتين. ولا فان ساركوزي الرئيس يختلف عن ساركوزي المرشح، وكذلك اوباما.

الرئيس الاميركي يعيش حاجة ماسة لتحقيق انجاز على الساحة الفلسطينية لانه محتاج وبشدة للعرب على اكثر من صعيد: اولها العراق، وثانيها افغانستان وليس اخرها ايران. كما انه يحتاج الى بعض العرب في الازمة الاقتصادية، ولاجل ذلك كله لا بد له ان يثبت انه يختلف عن جورج بوش بشيء اخر غير الكلام.

اما الرئيس الفرنسي فهو بحاجة الى اعادة فرنسا الى العالم العربي، لانه من جهة يرث بلادا ربما تكون اكثر دولة اوروبية حققت شعبية في العالم العربي، رغم ماضيها الاستعماري، وذلك عبر سلسلة من الرؤساء، اهمهم دون شك، شارل ديغول وجاك شيراك، وكلاهما لم يحصدا تلك الشعبية الا بسبب موقف الاول عام 1967 وموقف الثاني من احتلال العراق، وقبلها من الانتفاضة. اما المدخل الوحيد المتاح الان امام الديبلوماسية الفرنسية فهو سوريا ولبنان، واذا كان توزع مراكز القوى في لبنان يجعل من الصعب تحقيق مكسب شامل، ويحول اي متدخل الى قوة تضاف الى رصيد احد الفرقاء، فان الوضع مختلف في دمشق حيث الحكم المركزي قوي، وقد خرج من مازقه مع النظام الاقليمي الجديد اكثر قوة، حتى لو ان احداثا جزئية ومرحلية كازمة تسليم البعثيين التي لا تخرج عن دائرة ضغوط معروفة.

معروف ان ساركوزي لم يصل الا بدعم اللوبي اليهودي الفرنسي، ولكن الجغرافيا والتاريخ ليسا شيئا من السهل اغفاله لمن يصبح في موضع المسؤولية. وهذه هي التي جعلت قدر فرنسا ان تتمدد فتلقي راسها في المتوسط وقدميها في الاطلسي. الحقيقة التي ادركها بعمق ستراتيجي شارل ديغول، ولم يتمكن الد خصومه من الخروج عنها تطبيقيا، مهما تبجحوا كلاميا.

من جهة ثانية، تعود اوروبا اليوم الى الحديث عن روسيا، لا كخصم في وجه الولايات المتحدة، كما كان الحال ايام الاتحاد السوفييتي، ولا كحليف لاوروبا في وجه الامبراطورية، كما كان يحاول محور شيراك – شروردر – بوتين، بل ضمن معادلة جديدة قد تؤدي الى تحالف بين اميركا اوباما وروسيا ميدفيف ( بوتين ). ها الحديث يتكرر في الدوائر الاعلامية والسياسية الفرنسية، والحل براي الجميع هو خطوات استباقية على صعيد تحقيق منجزات على خارطة الشرق الاوسط، وعلى خارطة مواضيع اخرى دولية او غربية.

وهكذا يتحرك اوباما بسرعة في الوقت الضائع الذي ما زال يفصله عن قمة العشرين الديبلوماسية في الامم المتحدة خلال  سبتمبر الحالي، ويتحرك ساركوزي وعينه على قمة  العشرين في بترسبورغ  حيث يامل بتحقيق اختراقات حول قضية اعادة التنظيم  المالي، ومسالة (البونوس) المصرفي وقضية  المناخ، كما يامل باعادة اطلاق مشروعه للاتحاد المتوسطي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون