اردوغان القومي – الاسلامي

صحيفة الشروق، 02-02-2009

“لست زعيم قبيلة بل أنا رئيس وزراء تركيا، وكان على أن اتصرف دفاعا عن كرامة تركيا، كل ما أعرفه أنه يتعين علي الذود عن كرامة تركيا والشعب التركي ويتعين على أن اتصرف على هذا النحو”

اطلق الرسالة بذكاء وردت عليه الجماهير التي استقبلته في مطار اسطمبول بالقول

شاهد العالم ما لم يحدث لسنوات، لقد شاهدوا قوة الأتراك وأظهر (تصرف أردوغان) أن لنا مكاننا في أوروبا وفي العالم”.

موقف الكرامة هذا، متى يمكن لعربي ان يحلم به؟ وكم يبتعد هذا الحلم بعدما راينا استجابة عمر موسى لاشارة يد بسيطة من بان كي مون، والعودة الى الجلوس بعدما تردد في الالتحاق باردوغان في احتجاجه على امتهان الكرامة الذي طال عمر موسى ايضا من قبل الصحفي الاميركي، ومن قبل الرئيس الاسرائيلي؟

متى يمكن لجميع المسؤولين، من امين عام الجامعة الى المتربعين على رؤوس دولنا الثنتين والعشرين، انه لن يكون لنا مكان في اوروبا والعالم، كما قال الاتراك، طالما اننا لم نحتل مكاننا في نادي الكرامة القومية.

اسئلة لاتنطلق من العاطفة والحماس بقدر ما تتوج تحليل الواقع السياسي الاقليمي، حيث تبرز الان القوة التركية، بحسم معادلا ثابتا للقوتين الايرانية والاسرائيلية، في حين يتحرك العرب باشارة من يد شهدناها بالصدفة هذه المرة، ونتخيلها تماما وهي تتحرك عند كل مفصل، وكل موقف.

اردوغان رجل يعطينا كل يوم درسا، لو نحسن التقاطها: ولد في حضن الفقر، وباع الذرة كي يتعلم، ولجا الى المدارس الدينية، ليخرج متسلحا بعمله، وبقناعاته الدينية المؤكدة التي قادته الى حزب الفضيلة ثم الى حزب الرفاه. ومن خلالهما الى مناصب عليا، خرج منها كلهابسمعة: ” نظافة اليد “، هذه العبارة التي اصبح لها فعل السحر السيكولوجي في عالم يبلغ فيه الفساد حدودا سوريالية على امتداد العالم الثالث. ( ولا ينسى احد دورها في شعبية احمدي نجاد او هوغو شافيظ على سبيل المثال ).

لكنه خرج من التجربة نفسها بدرس حكيم اخر، وهو ان التطرف الاسلامي العابر للحدود القومية، والقائم على الغاء الاخرين لا يضعف الاسلام فحسب بل يضعف الدولة المعنية نفسها. وعليه تبنى اردوغان خطا جديدا  قائما على فرعين:

الاول  استعادة الخطاب القومي التركي  على طريقة توركوت اوزال  الذي امر بان يكتب على اساس سد اتاتورك: “كم انا فخور لانني تركي!”. وقد تجلى ذلك في اصرار اردوغان على تكرار  استعادة العثمانيين في خطابه ، وفي الحياة العامة التركية حيث تنتشر الان في الشوارع وعلى الواجهات الرموز العثمانية القديمة وصور السلطان سليم مؤسس الامبراطورية، ولا يخرج عن هذا السياق قوله خلال  معركة غزة: ” انا لست اي رئيس انا وريث الامبراطورية العثمانية ” او ما اوردناه في مقدمة المقال عن دافوس. وبما  يفترض ان ينتج منطقيا عن تبن خطاب قومي، فتح اردوغان حزبه لمنتسبين من جميع التيارات السياسية  التركية من قوميين ويساريين ومتدينين.

اما الفرع الثاني فعبر عنه بالقول: ” نحن حزب اوروبي محافظ ” مؤشرا الى الاحزاب الديمقراطية المسيحية الموجودة في اكثر من بلد اوروبي، والتي يعطي وجودها المبرر لانشاء احزاب اسلامية ديمقراطية. ملغيا بذلك حجة معارضي توق تركيا للانضمام الى المجموعة الاوروبية. واذ يسال عن العلمانية يقول: انا اتبنى علمانية على الطريقة الانكليزية لا الفرنسية. في تعبير يعني الكثير الكثير سواء من حيث الانفتاح الديني الذي تتميز به بريطانيا، او من حيث استقلالية الكنيسة الانكليكانية  البريطانية واحتضانها لجميع مواطنيها على اختلافهم.

وفي هذا السياق يضع اردوغان ثقله باتجاه اوروبا، لجميع الاسباب والمصالح  التي كانت مطروحة سابقا، اضافة الى سبب اخر هو ان تبني  النظام الديمقراطي الاوروبي، يحد او يلغي سلطة الجيش السياسية، وذلك ما يشكل التهديد الاكبر لخط اردوغان  في تركيا.

لكن التقدم نحو اوروبا بثقل، يعني دورا اقليميا من الوزن الثقيل، يكون له بدوره تاثيره الكبيراميركيا. خاصة وان واشنطن اليوم تحتاج الى تركيا وايران معا في خطتها المقبلة في افغانستان، كما تحتاج اليهما مع سوريا لضمان وضعها في العراق، هذا في حين يجمع هذه  الدول الاقليمية الثلاث امر ااخر هو خطر الانفصالية الكردية.

عناصر كثيرة وغيرها، تجعل للعرب، لو كانوا اكثر من قبائل متناحرة، فرصة تاريخية للعب دور لصالح القضية الفلسطينية وسائر قضاياهم، في معادلات يتضاءل فيها دوراسرائيل الاقليمي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون