بعد الحادي عشر من سبتمبر وتحرك القوات الاميركية الى افغانستان والعراق كتب المحلل السياسي برنار غيتا، في صحيفة لو بوان الفرنسية مقالا بعنوان: قبل الحرب كانت 11 سبتمبر ولكن قبل 11سبتمبر كانت دوربان.
العنوان كان من ذلك النوع الذي حمل في طياته اكثر من معنى ومن اشارة ومن تاويل، كلها تحيلنا الى سؤال حالي: ماذا سيكون بعد مؤتمر جنيف الذي يعتبر بمثابة دوربان 2؟
وبصرف النظر عما اذا كنا نتبنى النظرية القائلة بان الموساد الاسرائيلي وجهات اميركية كانوا وراء ترتيب احداث منهاتن، سواء بطريقة مباشرة ام غير مباشرة عبر تسهيل المهمة على اعضاء من القاعدة، فان العنوان المذكور ان هو الا اشارة صغيرة لعشرات بل ومئات الدراسات التي اعتبرت 11 سبتمبر واحدا من نتائج دوربان، كما انه الذريعة الاهم لاحتلال العراق وافغانستان. فالولايات المتحدة واسرائيل اللتين خرجتا من مؤتمر دوربان، خاسرتين مفضوحتين كما لم يحصل في تاريخهما، عرفتا كيف تمحوان كل هذه الفضيحة وتعوضان كل تلك الخسارة عبر توظيف احداث 11 سبتمبر، لتحقيق اهم هدف ستراتيجي في تاريخ اسرائيل: تدمير القوة العراقية، بكل ابعادها عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، القوة العربية الوحيدة التي كان يمكن ان تشكل لها خطرا حقيقيا بعد خروج مصر من الصراع. اقول اهم لا ولعا بافعل التفضيل، وانما فعلا لان سقوط العراق هو اهم من احتلال فلسطين نفسها، ذاك ان العراق لو ظل على نموه الذي كان يسير سريعا، وتطور مستقبلا نحو افق من الديمقراطية ( ولا يقولن احد ان ذلك كان مستحيلا لان الله وحده سبحانه هو الذي لا يتغير، وصدام حسين كائن بشري مصيره الموت الطبيعي، هو وكل قيادته ) واستطاع بذلك ان يطور افاقا من التعاضد العربي، لكان بامكاننا ان نحلم تاريخيا بتحرير فلسطين، ولكان من المستحيل ان تصبح اسرائيل اقوى دولة في المنطقة الى الابد.
اما الولايات المتحدة فقد حققت ضربتها في العراق وفي افغانستان، ولا نقولن ان اكلام عن انسحاب جيشها من ارض الرافدين هو هزيمة، فاية هزيمة هي التي نحتفل بها بعد كل المكاسب التي تحققت. على الاقل في المنظور القريب لان المستقبل قد يخفي ما لا يمكن توقعه لشعب عريق قاتل كل انواع القوى. وتظل افغانستان رهانا اميركيا اوروبيا خطيرا على بوابات اسيا وروسيا، يريد الرئيس الاميركي الجديد ان يحشد له كل قوته.
وفي هذه الاجواء تاتي دوربان الثانية في جنيف.
كل الانباء تتحدث عن ضغوط عالمية لافشال المؤتمر: استراليا ترفض المشاركة لانها تخشى ان يضم البيان الختامي ادانة لاسرائيل، والولايات المتحدة تعلن انها لن تشارك، وقوى داخلية وخارجية تضغط على المانيا للمقاطعة، والفاتيكان يطالب بتعديل البيان الختامي.
ولكن الا تتواءم خشية هؤلاء على اسرائيل مع خشيتهم على انفسهم، هم المهاجرون الذين ابادوا شعوبا باكملها ليصادروا ارضها وخيراتها: من الاستراليين الى الاميركيين الى الاسبان؟ اوليس الغرب كله مدانا، بنسبة او باخرى، بقصة الاتجار بالسود؟ الا يمكن التلويح لالمانيا نفسها بقصة العنصرية؟
لقد نجخ دوربان الاول لان الفقراء والمظلومين وضحايا العنصرية تجمعوا يدا واحدة، ويمكن ان ينجح – بنسبة اقل – مؤتمر جنيف، لكن السؤال الذي يلوح في الذهن: ماذا سيبتكر لنا المتهمون من حدث يحول الانظار عن حكم التاريخ على جرائمهم؟