كما في لبنان كذا في فلسطين، لا تجد عاصمة المعز من وسيلة لانتزاع دور، الا وسيلة التعطيل.
ففي بيروت اصبح الجميع يعرفون ان اسوار التعقيدات الداخلية ليست هي ما يستعصي على الرئيس المكلف سعد الحريري، كما ان مهمته هذه لا تقف عند اسوار سعودية او سورية او حتى ايرانية ( باعتبار ان هذه هي الاطراف الاساسية المؤثرة في بلاد الارز. لم يعد سرا عند احد ان القاهرة هي التي تضع ثقلها للتعطيل بناءا على عدم رضاها عن تجاوز ثنائية سورية – سعودية لها. السين السين التي كان الجميع يعتقد انها ستكون العصاة السحرية التي ستحل مشاكل البلد، بدت قاصرة بدون الميم التي تلوح بعصاة الالف. والادارة المصرية لا تحاول اخفاء ذلك، بل انها اعلنت بوضوح انموضوع الحكومة اللبنانية كان من اهم بنود محادثات مبارك -اوباما، في واشنطن.
اما في فلسطين، فان الاعلان الصريح عن فشل الوسيط المصري عن تحقيق اي تقدم في عملية المصالحة الفلسطينية لا يمنع القاهرة من التاكيد الواضح والصريح ايضا وبلسان مسؤول ملف فلسطين في المخابرات المصرية انها لن تسمح باي تدخل اخر في هذه العملية، فيما توضح الانباء ان المقصود بذلك هم السوريون والاتراك، بالنسبة للمصالحة، والالمان والسويسريين بالنسبة لموضوع جلعاد شاليط.
واضح هنا ان عاصمة المعز لم تعد تلك التي يسلم الجميع، عربيا واقليميا ودوليا، بدورها البديهي الذي تفرضه الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا. وانه قد بات عليها ان تقاتل وتعطل وتلجا الى الاميركيين لكي تنتزع دورا. وعندما تصبح اية قوة اساسية في محيطها في هذا الوضع، فان المطلوب منها ستراتيجيا وواقعيا ان تبحث عن اسباب التراجع التي اوصلتها الى هذا الدرك.
قد يقال، ان العكس هو الصحيح، وان ما يحصل هو دليل على عدم امكانية تجاوز مصر. مقولة قد تكون صحيحة لو ان مصر هي اي شيء غير مصر، وغير ثقل مصر. فعندما تضطر دولة بهذا الحجم ان تخرب وتقاتل وتذهب الى الاخرين لتقول انها موجودة، وان لها دورا، فانها تتحول الى كيان صغير يعمل على اثبات وجوده.
لقد عاشت مصر، في العصر الحديث معارك زعامة العالم العربي، ديبلوماسيا وحتى عسكريا في بعض الاحيان، مقابل السعودية، مقابل العراق، مقابل سوريا، بل ومقابل دول اصغر، لكنها كانت في كل تلك المعارك تعمل على تثبيت زعامتها، وفرق كبير من يثبت الزعامة ومن يبحث عن الاقرار له بدور.
كانت مصر عبد الناصر تتزعم معسكر دول الممانعة وتقابلها السعودية في تزعم معسكر الاعتدال، ووراءهما يتوزع الاخرون. واراد السادات ان ينتزع زعامة محور الاعتدال فخسر الاول ولم يربح الثاني لان المقعد غير شاغر. وحاول العراق ومن ثم ليبيا واخيرا سوريا تزعم محور الممانعة فنجحوا ولكن لم يكن لاي منهم حجم مصر ولا لاي منهم تسليم الاخرين له، الى ان جاء مفصل الواحد وتسعين فظنت القيادة المصرية انها بانضمامها الى حفر الباطن ستثبت للاميركيين انها هي من يحتاجون اكثر من اي دولة عربية اخرى. لكن هذا المنطق لم ينجح الا في تضييع العراق. وبعدها اصبح الاميركيون الذين احتاجوا القاهرة لاتخاذ قرار الادانة ضد صدام حسين في مؤتمر القمة عام 1991، محتاجين معها لسوريا ولدول الخليج وللسعودية بالدرجة الاولى. ثم تنامت تداعيات الاحتلال والمقاومة، فاذا الحاجة لسوريا تتقدم، فيما تثبت السعودية ودول الخليج على اهميتها. اذن ما الذي تبقى لعاصمة المعز؟
لبنان وفلسطين؟ في الاول عملت جهدا خاصة خلال حرب تموز، وفي الثانية قدمت شهادة حسن السلوك خلال معركة غزة. والان تقاتل بضراوة لتعطيل الامور في الاثنين، لتقول: انا هنا.
انه تقزيم محزن لمصر ولثقل مصر، ونتيجة طبيعية لانحرافها عن دورها الطبيعي.