افغانستان والحكومة اللبنانية

صحيفة الشروق، 21-09-2009

للوهلة الاولى، يبدو من المبالغة ربط الحكومة اللبنانية بحرب افغانستان. لكنه ايضا من باب ضيق النظر ان يعتقد بعض اللبنانيين وحتى بعض المحللين السياسيين ان القضايا الداخلية العربية، في اية دولة كانت، مفصولة عن الصراع الاميركي للحفاظ على الامبراطورية، التي لم تستقر اصلا على عرش العالم الا مع احتلال العراق وهيمنتها على منطقة الشرق الاوسط.

بالامس صرح قائد القوات الاميركية في افغانستان بانه بحاجة الى مزيد من القوات والامدادات خلال الاثني عشر شهرا القادمة والا فان الفشل الذريع سيكون مصير قواته هناك.

سؤالان ينبعان من هذا التصريح الخطير:

هل تتحمل الولايات المتحدة هزيمة في افغانستان؟ وهل يمكن لها تجنبها بارسال ما يطلبه القادة العسكريون هناك؟

اذا ما كان الجواب البديهي بلا قطعيا بالنسبة للسؤال الاول، خاصة وان الرئيس باراك اوباما جعل من افغانستان حربه هو وحرب عهده، بعد ان ترك  ارث حرب العراق  على كتفي جورج بوش وفريقه، واذا ما كان الجواب والحال هذه، على السؤال الثاني، بنعم  مشروطة. فان الرهان الحقيقي  يصبح اذن هذا الشرط الذي يخلص الولايات المتحدة ورئيسها وادارته من كابوس الهزيمة في افغانستان.

الشرط الوحيد الي يمكن الادارة الاميركية من التحرك هناك، هو تحقيق شكل ما من اشكال الحل في العراق، شكل يخلص الجيش الاميركي من ورطة الاحتلال هناك. فاذا ما فرغ هذا الجيش من بغداد استطاع التفرغ لكابول. لكن بغداد قمقم بارود، والانسحاب الاميركي الكامل لن يؤدي الا الى انفجاره بشكل ينسف كل المصالح الاميركية في المنطقة كلها.

هنا يبرز دور ثلاث قوى اقليمية تحتاجها واشنطن لا محالة لترتيب اوضاع بلاد الرافدين: تركيا، ايران وسوريا.

الاولى اطلسية، والطريق بينها وبين واشنطن سالك وطبيعي، وهي تعرف جيدا كيف تقايض مصالحها بدورها، خاصة مع حكومتها الحالية التي يراودها حلم العثمانية التاريخية بشكل حثيث ولا تخفيه. اما الثانية فبينها وبين واشنطن عقد مكثفة تبحث عن حل، ليس اقلها المشروع النووي، وهي ايضا قادرة على ادارة لعبة مقايضات صامتة بدهاء اصحاب البازار. لعبة قد تندرج في اطار عض الاصابع مع واشنطن والغرب لكنها خلال ذلك الشد، تستعمل كل ما اوتيت من مجالات نفوذ لتفعيل حظها بالفوز او على الاقل بالافلات. اما الطرف الاخير وهو سوريا، فهي التي تملك بيدها عددا من الاوراق اكبر مما تملكه كل من طهران وانقره. لكنها في الوقت نفسه اضعف منهما: اولا لانها ليست بحجم القوة الايرانية او التركية، وثانيا ولانها – ولسوء حظها وحظنا- دولة عربية، بمعنى انها جزء من جسد مريض حد الاحتضار، واغرب ما في مرضه، ان كرياته البيضاء التي كلفتها الطبيعة بمكافحة المرض، تعمل عكس الطبيعة، فيكافح احدها الاخر في اغرب سرطان عرفته المختبرات الطبية.

سوريا تحاول رغم ذلك ان تتحرك، مع ايران ومع تركيا، وتحركها مربوط دون شك بالساحة اللبنانية، حيث تمتلك قاعدة لا مجال لتفكيكها، ومثلها يمتلك الاميركيون والايرانيون كل قاعدته، اما بشكل مباشر واما عبر عقود الباطن. وعليه فان الحكومة اللبنانية العتيدة قد تصبح مثل حمل الخيل الذي يمتد عشرة اشهر.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون