هل اصبحت سياسة دعم محمود عباس مقابلا لدعم سياسة الاستيطان في الارض المحتلة؟ سؤال قد يبدو غريبا ومبالغا، ولكنه يعكس مضمون جواب الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي على سؤال حول استئناف بناء المستوطنات، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في نهاية زيارة الرئيس الفرنسي الى مصر. وبدلا من ان يجيب الرئيس بادانة الاستيطان، وفق الموقف الذي اعتادته السياسة الفرنسية المتوسطية،
افاض في الحديث عن علاقته بمحمود عباس، وواجب العالم في دعمه، مركزا الى جانب ذلك على صداقته لاسرائيل، ونيته في زيارتها والقاء خطاب في الكنيست. وجاء ذلك بعد هجوم حاد شنه الرئيس على سوريا، بحيث بدا وكان استهداف المحور الذي يسمى بمحور الممانعة هو الهدف الرئيسي للسياسة الفرنسية الخارجية في الشرق الاوسط. وذلك اضافة عن معادلة الاتحاد المتوسطي والعروض النووية، التي يبدو ان ساركوزي يجعلها محور سياسته العربية الحالية، منذ زيارته الاولى الى الجزائر وتونس ومن ثم الى الجزائر ومصر واستقباله للعقيد القذافي. واذا كان لا بد من اقرار واقع ان لا شيء في العلاقات الدولية بدون ثمن فان لنا ان نتساءل عن الثمن الذي يطلب في مقابل اعطاء التكنولوجيا النووية. اهو مصالح اسرائيل، ام الاتحاد المتوسطي؟ ام انهما في النهاية امر واحد، لان الهدف الاساسي للاتحاد المتوسطي، هو ضم اسرائيل مع الدول العربية المتوسطية في تحالف واحد، مما يختصر خطى التطبيع التدريجي؟ ام ان ساركوزي الذي يفكر بعقلية رجال الاعلام اكثر منه بعقلية السياسيين، ينظر الى ما يمكن ان يؤمنه له اتحاد كهذا من استثمارات، بدليل انه اوضح في المؤتمر الصحافي المذكور بان المسيرة الاتحادية يجب ان تبدا باستثمارات مشتركة؟ ثلاثة اسئلة تلتقي اجاباتها كلها لتشكل ثلاثة عصافير، لا اثنين، بحجر واحد. ولتشكل بالمقابل الدليل الباهر على ان الرئيس الفرنسي انما يدق اخر مسمار في نعش الديغولية وحتى الديغولية الجديدة، في كل المجالات وخاصة في موضوع السياسة المتوازنة والاستقلالية الاوروبية. ويكرس اسلوبا يتجاوز البراغماتية السياسية الى الميركانتيلية الاقتصادية. ففي حلقة
تلفزيونية عقدت اثر زيارة العقيد القذافي وضمت عددا من القيادات السياسية في فرنسا من بينها: لوران فابيوس ( رئيس الوزراء السابق عن الحزب الاشتراكي، برنار غيتا الكاتب في مجلة لوبوان فرانسوا هيسبورغ و موريس صفران السياسي اليهودي المعروف بكتابه ” اليهود في السياسة الفرنسية ” رد كلود لولوش مستشار ساركوزي على الانتقادات الاشتراكية للزيارة بقوله: ” هو حصل على زيارته ونحن حصلنا على العقود ” هكذا، وبهذه البساطة!! واذا كانت الانتقادات المذكورة قد تركزت على مسالة حقوق الانسان ولكن ما من احد يجهل ان السبب الحقيقي هو ان العقود التي اعطاها القذافي لساركوزي تقوي موقف اليمين الحاكم بشكل كبير. مما جعل مستشاره يعلق: انا اكره هذا الرجل، وقد كرهت خيمته، وكرهت سيره في شوارع باريس، لكن علينا ان نعترف ان ذلك كان في مصلحتنا!”
غير ان الموضوع المركزي الذي لم يختلف عليه الاثنان، فهو اعلان المنتقدين عن تخوفهم بان يكون استقبال باريس للقذافي يتعارض مع مصالح اسرائيل وامنها، وطمانة المدافعين لزملائهم الى ان الفريق الحاكم قد حرص على ضمان ذلك.
واذا كان الحوار قد عكس بشكل لا يحتمل في وقاحته، الاحتقار والاستعلاء والتعامل مع ليبيا والقذافي ( بما ينسحب بنسبة او باخرى على كل العرب ) كاناس دون، محتقرين ولكنهم يمسكون بيدهم ثروات يجب سحبها بطريقة او باخرى ( ولو بتحملهم مكرهين او بالضحك عليهم ) فان ذلك يحمل دلالتين الاولى تنسحب على القصور السياسي الذي يسم مسؤولينا، وعجزهم عن فرض احترامهم واحترام شعوبهم على الاخرين، والثانية تنسحب على التعالي العنصري، والغطرسة التي تسم نظرة الغرب بغالبيته الينا. دون ان يكون لنا الحق في لوم هذا الغرب، طالما اننا نقبل بذلك.
كذلك كشف الحوار عن ان الصفقة بدات مع اطلاق سراح الممرضات البلغاريات، حيث كان ساركوزي بحاجة لتحقيق انجاز ديبلوماسي في بداية عهده، لتعزيز موقعه داخليا واوروبيا، وكان الثمن الذي طلبه القذافي هو هذه الزيارة… قبل الرئيس الفرنسي بالمقابل، على ان يحصل مقابله عقود بعشرة مليارات دولار، وعليه علق لولوش بقوله، في الندوة المذكورة : ” انها عقود تصب، دون ادنى شك، في مصلحة الشعب الفرنسي، ولست على ثقة من انها تخدم مصلحة الشعب الليبي!”
فهل يكون المصريون، او السوريون اكثر ذكاءا وتبصرا؟