ما سيبكي القنطار!!

صحيفة الشروق، 29-06-2008

سيقال الكثير عن اطلاق سراح سمير القنطار، وهذا التعبير اكثر غلاوة عندي من تعبير  صفقة تبادل الاسرى. لان  الانجاز الاكبر فيها هو الحصول على حرية عميد الاسرى اللبنانيين، لاهمية  هذا المناضل اولا، ولثباته القومي الخارج عن سرب النعيق الطائفي والمذهبي الدائر في لبنان والمنطقة، والرافض دائما لمنطق التجزئة الكيانية الذي اريد له ان يسود، حتى في سجون العدو الواحد. فهناك في سجون الاحتلال يتعامل العدو الواحد معنا كعدو واحد، لا يميز بين سمير اللبناني الدرزي، ومروان البرغوتي الفلسطيني السني، واي اسير اخر من اية رقعة اريد لها ان تكون دولة مستقلة ( مستقلة عن امتها لا عن الاجنبي باية حال ).

ومن ذلك السجن لم يتوقف سمير عن المشاركة مع رفاقه الفلسطينيين في اصدار البيانات واعلان المواقف من كل النزاعات المخجلة التي دارت على الساحة الفلسطينية والعربية، ولم يتردد سمير في توجيه رسالة توبيخ حادة الى وليد جنبلاط يوم قرر هذا الاخير ان يغرد في السرب الاميركي –  الاسلرائيلي. وفي احدى هذه الرسائل  تساءل  عميد الاسرى  عمن سيستقبله يوم تحريره في مطار بيروت؟  كان يخاطب الرجل الذي ورث ابا هو  قائد للحركة الوطنية ليتحول هو الى قائد للميليشيات الدرزية  ( وهذه هي الالقاب التي كرسها الخطاب السياسي والاعلامي  ترجمة لما تكرس على ارض الواقع )، وكان يعبر تساؤله سؤالا استنكاريا  عما كان  يسعى اليه جنبلاط ومن معه  من وضع للبنان.  لكن التخوف مضى، وسقط معه حتى الرهان على اجتياح اسرائيلي عام 2006، ليسقط بعده الرهان على  استيراد قنبلة نهر البارد، ومن ثم محاولة التفجير التي  سبقت الدوحة . وسيصل سمير ومن معه الى المطار ليجدو في استقبالهم لبنان، ومقاومته، وسيد هذه المقاومة. وسيكون وصولهم قفزة تاريخية جديدة على طريق تثبيت  مقولة: ” ان القوة هي القول الفصل في تحديد مصير الامم “. اذ لم تسقط كل تلك الرهانات الا بالقوة، ولم تستجب اسرائيل الا لموجبات القوة، ولم ينكسر صمود عنادها في عدم تسليم الاسرى الا على صخرة صمود المقاومة في مواقعها ومطالبها.

سيوق البعض ان هذا التراجع الاسرائيلي، السياسي بامتياز – طالما ان الجهات الامنية عارضته – ليس تلبية لهذه الموجبات وانما هو احدى وسائل نزع الذرائع المطروحة من قبل المقاومة للاحتفاظ  بسلاحها، فلن يعود بامكان حسن نصرالله بعد الان  رفع القبضة من فوق منبره لطرح شرط عودة الاسرى. وان هذه الخطة ستكون  واحدة على طريق اخرى هي ترتيب ما لمزارع شبعا. وبعدها، يصعد الجميع الى المنصات ليطالبوا المقاومة بنزع سلاحها، وتسقط من يد المعارضة اللبنانية  الملتفة حولها كل الحجج.

حسنا. ومن قال ان السلاح غاية بحد ذاته؟ وهل له من شرف اكثر من تحرير كامل تراب لبنان وكل اسراه؟ تحرير  حقق انجازا اخر  اكبر بالمقياس التاريخي، الا وهو كسر الاسطورة الاسرائيلية بدولتها وجيشها.

لكن انتهاء الاحتلال لن يكون باية حال مدعاة للعودة الى سياسة النعجة، ومقولة: ”  قوة لبنان في ضعفه ”  بعد ان  اثبت الواقع  ان عكسها هو الصحيح، بل يعني بلورة ستراتيجية دفاعية تستوعب المقاومة  محافظة على كل قوتها، وتنمي الجيش بحيث لا يضطر لسحب لواء من الجنوب اذا ما اضطر الى التدخل في الشمال، كما حدث في الاسبوع الماضي.

وبذا نصل الى الخطر الاكبر الذي يتهدد لبنان الان، والذي سيشكل المفاجاة المؤلمة الكبرى لسمير القنطار، المناضل القومي اللاطائفي،  والسكين الكبرى التي تحفر في قلوبنا جميعا. خطر التموضع والتصادم المذهبي الذي جاء الان يضاف الى الطائفي التقليدي، خطر كان افضل ما قراناه عنه مقالة الرجل الكبير، ضمير لبنان الكبير، سليم الحص، في الاسبوع الماضي، بعنوان: كلنا طائفيون ” مقالة احس كل من قرها بان الحص كان يبكي وهو يكتب، فابكانا معه، وربما سيبكي سمير القنطار!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون