هل نحن في طريقنا إلى حرب عالمية ثالثة؟
هل تصح نبوءة بريجنسكي بخصوص ذلك، هو الذي تنبأ منذ عام 1970 بسقوط الاتحاد السوفييتي؟ لقد اعتبر هذا الاستراتيجي الأمريكي الكبير أن الشرق الأوسط قد أصبح في الوقت الراهن، وسوف يظل مقياساً لنجاح أو فشل قيادة الولايات المتحدة للعالم، ولكنه لم يعتبر الشرق الأوسط كله جبهة واحدة: هناك بحسب رأيه الجبهة التقليدية بين العرب و«إسرائيل»، ولكن هناك جبهات أخرى، وأهمها السورية التي تترك تأثيراتها الواسعة في التوترات الإقليمية. قال ذلك قبل خمسة أعوام، أي في بداية الأزمة السورية. أن أوباما لديه عقيدة، ولكن ليس لديه استراتيجية، لكنه اعتبر أن جون كيري وشاك هاغل يعوضان ذلك، لديهما استراتيجية. هاغل اضطر إلى الاستقالة عندما دخل في مواجهة مع المجمع الصناعي العسكري، وكيري استمر ووصل إلى عقد اتفاق مع إيران.
تغيير بسيط دخل على النبوءة، لكن خريطة العالم التي رأى فيها الرجل يومها حزاماً حقيقياً قابلاً للانفجار بقيت كما هي، حيث يرسمها كما يلي: «نوع من الحدود الجنوبية لأوراسيا، بدءاً بكوريا الشمالية من خلال بحر الصين والهند والصين وأفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا، ثم على طول الطريق إلى السويس ومصر، ومن ثم على طول الطريق إلى النيجر ومالي». الحدود الجنوبية هذه، حاول الأمريكي الالتفاف عليها بإبرام معاهدة الدول المطلة على المحيط الهندي، قبل شهرين من اليوم. أما إيران فقد أعتقد الأمريكي أنه حيدها نسبياً بقطع الطريق على تحولها إلى دولة نووية. في حين يتصاعد التفجير في العراق وسوريا، وكلما لاحت فرصة لإخماد النار برز من يفشلها.
الجميع متورط في هاتين الساحتين، خاصة السورية، إلا الصين، وبريجنسكي يعد الصين الدولة الصاعدة الوحيدة التي تشكل خطراً، فيما لا ينطبق ذلك على إيران وروسيا. رؤية لا بد أن تقودنا إلى تأثير الضربة التي تلقتها عوائد النفط في كل من الدول الثلاث، لكنها ضربة تؤذي إيران وروسيا في الصميم، في حين تؤثر قليلاً على الصين التي استفادت من أزمة النمور الآسيوية وتقدمت كثيراً على جميع الساحات. هذه المواجهة الدولية على النفوذ قد تجعل من الولايات المتحدة أقصر الإمبراطوريات عمراً، وقد تجعلها تخرج من حرب عالمية ثالثة منتصرة كما خرجت من الأولى والثانية، ولكن هل ينوي الأطراف الذهاب إلى الحرب؟… طرفان يبدو أن لهما مصلحة فيها: المجمع الصناعي العسكري بما يمثله من لوبي جبار، و«إسرائيل» التي تعتقد أنها بذلك تسيطر على المنطقة. الأول لن يعدم ضغوطه للتورط أكثر، على أكثر من بقعة من العالم، ويكفي أن نفكر بقيمة مبيعات الأسلحة خلال العقدين الأخيرين. أما الثانية فإنها منقسمة بين يمينها الذي يؤمن بأن في ذلك فرصته، ويسارها الذي لا يقل حلماً بالهيمنة، ولكنه يخشى أن ترتد الأمور على بقاء دولته. وبالعودة إلى بريجنسكي، فإنه اعتبر أن «إسرائيل» هي من سيطلق هذه الحرب، لأنها ستدخل في عملية كبرى ضد سوريا ولبنان، مما يقتضي تدخلاً من جميع الأطراف وتكون الواقعة العالمية.
هناك التنظيمات الإرهابية، التي لم نسمع منها طوال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية كلمة واحدة بحق «إسرائيل»، بل إن جرحى «النصرة» كانوا يعالجون في المستشفيات العبرية علناً، ومنهم من يبقى لأشهر هناك. فلماذا استفاقوا بالأمس ليقولوا إن طريق القدس تمر بسوريا؟ هل هو استدعاء لتدخل «إسرائيلي» بدعوى الدفاع الاستباقي، وتحت مظلة مشروعية محاربة الإرهاب؟
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/f503d617-bcdf-49cb-b42b-55961e71ef79