ندم الذئاب

الربيع العربي، 12-08-2014

البلاد تغرق في الفوضى والليبيون يتحسرون على زمن معمر القذافي” .

هل يصدق القارىء ان هذه الجملة هي عنوان افتتاحية جريدة لوموند الفرنسية ليوم 26 تموز الحالي؟

وهل يصدق متابع ان هذا الغرب وبخاصة منه الفرنسي يندم فعلا على غزو او تدخل قام به وادى الى ابادة شعوب وتدمير مقدراتها؟ لو كان هذا ممكنا لما كانت وسائل الاعلام تفتح منابرها لبرنار هنري ليفي، عرّاب التدخل العسكري في ليبيا وصانع ما سمي بالثورة في حينه، وهو من  دخل عام 2008 الى غزة على ظهر دبابة اسرائيلية، وهو من ينبري اليوم وبوقاحة لا توصف الى تبرير العدوان  الحالي  ونعت الفلسطينيين المقاومين بابشع التهم( الوحوش والفاشيين) ونعت مؤيديهم في الخارج ب ( الاغبياء والاوباش)  وتسويق كل الاكاذيب الاسرائيلية بشان الحرب ومبرراته، بل والدعوة الى شراسة اكبر ضد القطاع المحاصر.

العقل الاستعماري لا يندم . فهل ندمت فرنسا يوما على ما فعلته بالجزائر، او بالعراق عام 1990 او بافريقيا او بسوريا؟ لتندم على ليبيا او على فلسطين او لتتعظ بما يمكن ان تفعله بغيرها؟

الم تعمل باريس على منع حصول وقف اطلاق النار بناءا على خطة كيري كي لا ياتي ذلك برعاية اميركية – روسية، تكون هي خارجها؟ اما التمديد وما يحصل خلاله من موت ودمار وبشاعة فلا يساوي شيئا  في حسابات مصالح صفر الوجوه.

لوموند تتابع في افتتاحيتها :

ليبيا تتشظى والبنى السياسية – الادارية  النادرة التي اقيمت بعد 2011 تنهار، فيما تتوقف الحياة الاقتصادية وتغادر البعثات الديبلوماسية البلاد واحدة اثر الاخرى… القتال يدور بالاسلحة الثقيلة والمطاران الدوليان اصبحا غير صالحين للاستعمال… من جهة اخرى يهدد مستودع كبير للغاز بالانفجار قرب العاصمة . اما في بنغازي فقد سيطرة القوات الجهادية على القاعدة العسكرية الاكبر في البلاد. 

 ديكتاتورية الميليشيات تحل محل ديكتاتورية القذافي . من جهة حفتر وبعض انصار النظام القديم وقبائل الزنتان، ومن جهة تجمع للاخوان المسلمين والمنظمات الجهادية ودعم قبائل الشرق. خطف، قتل، مزيج من جرائم العصابات وتصفية الحسابات، وقبلية بعيدة تماما عن مفهوم الدولة .

 لقد اصبح من المستحيل الا نطرح الاسئلة حول جدوى تدخل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لدعم تمرد 2011، تدخل ايدناه في حينه، بدون تحفظ . ولكن لا بد اليوم من ان نتراجع ونسال : هل كانت الدول المذكورة على حق في قصفها الجوي الذي سمح للمتمردين بالانتصار على القذافي؟

اسئلة قد يكون من السهل طرحها بمفعول رجعي، وحتى لو كان القرار السياسي العسكري قد اتخذ بحجة دوافع انسانية، فهل كان ذلك يساوي الفوضى التي وصلت اليها البلاد اليوم؟ ”

تنتهي الافتتاحية بهذا السؤال الذي يتركنا نسال بدورنا:

” اين هي الدوافع الانسانية في فلسطين”؟ اي بشري هو الذي لا تحركه جرائم الاحتلال هناك؟

ام ان الدوافع الانسانية هي التي اتخذت دائما ستارا لتغطية اكثر الاعمال لا انسانية في التاريخ، وستارا لتمرير المصالح، مجرد المصالح باي ثمن، مهما كان بشعا ومجرما.

في ليبيا كان المحرك الوحيد هو السيطرة على الغاز الليبي واشعال هذه المنطقة الشاسعة التي تفصل او تصل المشرق العربي بمغربه، على حدود اهم دوله : مصر والجزائر وتونس . كان ساركوزي يريد انقاذ نفسه من فضيحة الرشاوى التي تقاضاها من القذافي ويتخيل انه سينقذ اقتصاد فرنسا باموال ليبيا المودعة في الغرب وبالغاز والنفط، ومثله كان البريطانيون والاميركيون، لم يعنهم لحظة ان تتفتت ليبيا كانوا موافقين على الحكم الاسلامي – الاخواني – الجهادي فيها، طالما ان الموجة كانت هكذا لكل المنطقة، وطالما ان هذا الحكم يؤمن لهم ما يريدونه . اما في غزة فلم يكن الغرب يوما يوافق على مشاركة اسلامية في السلطة، طالما ان هذه الفصائل مصرة على مقاومة اسرائيل وعلى عدم تسليم غاز غزة بالفتات . فهل يتغير الوضع اذا ما تغيرت الشروط؟

الان تغيرت المعادلة بالنسبة لليبيا، فالاتجاه في مصر وتونس الحدوديتين هو الى حكم  متفاهم مع الغرب ولكنه محارب من قبل الاخوان والجهاديين، وهؤلاء قد يجدون في ليبيا منطلقا ممتازا لهم ضد البلدين المذكورين وضد الجزائر التي ما تزال هدفا على قائمة الربيع العربي المدمر الدموي . فهل يجعل ذلك، الغرب يندم فعلا كما تؤشر لوموند ؟ ام ان هذا الغرب سيمارس هناك اللعبة الخطيرة التي مارسها في سوريا : ترك الجهاديين من كل حدب وصوب يتجمعون في ليبيا ليقاتلوا الجيش المصري والتونسي والجزائري، كما قاتلوا الجيش السوري، ينهكهم وينهكونه، يدمرهم ويدمرونه، وينقسم الشعب بينهم وبينه، فيدمر بدوره، وفي الخلاصة تدمر البلاد وفي احسن الحالات تشل،ويتسلل النفط والغاز فيصفق الغربي والاسرائيلي؟

اسئلة لن تكون النتائج السياسية لحرب غزة ببعيدة عن تحديد اجاباتها؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون