اطلاق عبد الفتاح السيسي لمشروع القناة الجديدة وما سيرافقه من مشاريع تنموية هو في احد وجوهه، بل وابرزها، اطلاق مشروع لمكافحة الارهاب على الارض المصرية. درس لا بد ان تتعلمه جميع الانظمة العربية، القادرة على الشروع الان، والمطالبة به مع انتهاء ازماتها.
مضحك سعار الاخوان ضد المشروع بحجج تكشف نفسها، من ادعاء نسبة المشروع لمرسي، في حين انه مشروع طرح منذ بداية التسعينات ولم ياخذ به مبارك، فظل في الدرج، الى ان اخرجه عمر موسى وطرحه في برنامجه الانتخابي. فاستله مرسي وطرحه مع فروقات كبيرة وجذرية عن اصله وعما صار اليه في اعلان السيسي، خاصة فيما يتعلق ببند شق قناة جديدة. ولا يعيب اي حكم الجديد ان يكون قد بحث عن حلول مستبعدة لدى النظام السابق، ويقوم بتطوير هذه الحلول بما ينسجم مع مصلحة البلاد.
تطوير طال امورا جذرية : الممول، المالك، الادارة، المتحكم، المدة المحددة للتنفيذ، والرقعة الجغرافية.
ولعل صفة الممول – المالك هي اهم ما في التطوير الجديد، فعلى عكس ما كان عليه الامر في مشروع مرسي حيث طرح تمويل المشروع عن طريق الشركات التى تتولى تنفيذ المشروع محلية كانت ام اجنبية، و سمح للاجانب بتمويل المشروع وشراء الاراضى على جانبى قناة السويس.
في المشروع الحالي، المصريون وحدهم يمولون ويملكون الاسهم، كل بحسب قدرته، لا صندوق نقد دولي وشروطه، ولا دولة خليجية وشروطها، ولا ديون وفوائدها. والتنفيذ لشركات مصرية (حتى ولو طرحنا هنا بعض علامات الاستفهام ).
. هو تطبيق لمبدا السيادة ولنوع جديد من التاميم ينسجم وطبيعة المرحلة العالمية. فالسيادة والشراكة. مفهومان لا يندرجان في ثقافة الاخوان، حيث العبرة للتنظيم الدولي للاخوان وليس لسيادة شعب على ثرواته وقراراته. وانسجاما، فان السياسة الاقتصادية لهذا التنظيم، هي تطبيق نيوليبرالية عولمية اسلامية، يحكمها الاغنياء ويوهمون الفقراء بانها ستنقذهم بعطايا ومنح ومساعدات : كيس دقيق، مواد غذائية، راتب عمالة رخيصة مؤقتة، جلباب وملابس اطفال. ” صدقة ومعونة تشترى بها الاصوات ليقال ان الحكم شرعي وليتمكن بهذه الشرعية من تنفيذ مخططاته”. والرهان على ان يبقى التابع محتاجا للصدقة والمساعدة، لا مالكا لحقوقه كمواطن، منتج، شريك حر الخيار.
ومضحك ايضا ان تنبري الصحف القطرية او الممولة قطريا لتسويق هذا السعار ضد مشروع السيسي.
فالمسالة ابعد من خصومة سياسية، انما هي تتعلق بجوهرها فيمن يتملكه ومن يهيمن عليه.
مرسي عمل على تشكيل هيئه مستقله تحت مسمى الهيئه العامه لتنمية محور قناة السويس، تابعه لرئيس الجمهوريه وحده، حيث يعين هو مجلس ادارتها المكون من 14 عضوا، ولا يحق لاحد الاعتراض على اي من هذه التعيينات. مما كان يضمن ان يتمكن رئيس الجمهورية ومجلس ادراته ( بامرة المرشد طبعا) من بيع المشروع لقطر او تاجير ما لا يباع.
هذا ما يفسر ان تعيب اصوات صحيفة “العربي الجديد “، مثلا، كون المؤسسة العسكرية هي من سيدير المشروع – اذن ليس رئيس الجمهورية وحده كما كان يريد مرسي والاخوان – علما بان ما اعلن هو ان هذه الادارة ستكون لهيئة النقل والمواصلات، الحالية ووزارة التخطيط وعدد من الوزارات الاخرى. تحت اشراف الجيش. ولعل النقطة الاخيرة، والاخطر، هي ان مشروع مرسي تحدث عن افليم السويس دون تحديد، مما جعل الكثيرين في حينه يصرخون خوف الانجرار الى التقسيم، ويبدو ان هذا ما تنبهت له الادارة الجديدة فتحدث السيسي عن كل محافظة من محافظات القناة بشكل منفصل، بما يؤكد تبعيتها الادارية للدولة.
حقائق ووقائع يمكن عدم التنبه لها، دون ان يقودنا ذلك الى التصفيق والتهليل الغوغائي على طريقة بعض الاعلام المصري، الذي يجب ان تتوجه اليه اولا سياسات السيسي الاصلاحية. ونعني بالاصلاحية الانسجام مع امرين الاول وسم تاريخ النظرية الاعلامية المصرية، الا وهو مبدا السيادة واحترام مصالحها. والثاني هو ما يجب ان يميز اي اعلام عصري : الحرفية، الموضوعية ( على الاقل في الاداء) واحترام ستراتيجيات علمية توضع بناء على دراسات الارسال ومثلها دراسات التلقي. والا فان الاعلام يتحول الى ساحة ردات فعل عاطفية غرائزية، ووفاء بالتزامات غير وطنية، ان لم يكن تنفيذ اجندات مدسوسة ومدروسة. كما لا يجب ان يحصل في بلاد رائدة في هذا المجال، بلاد ما زال يحيا فيها محمد حسنين هيكل.
ما يجب التركيز عليه في مشروع السويس هو امور مبدئية، لا تشكل فقط ترويجا للمشروع ولصاحبه، وانما اسس لتربية وطنية تقوم على احترام السيادة الوطنية، احترام قيمة العمل، بناء الكبرياء الذاتي القائم على اعتبار سد حاجة الحياة تكون بفرصة العمل والتعلم والانتاج، لا بالتسول عبر قبول المنح والهبات المحدودة والمذلة ولا بالفهلوة. بناء الكبرياء الوطني الذي يقوم على ان مصر هي مصر بكل عظمة جغرافيتها وديموغرافيتها وتاريخها، وليست مجرد ثروة سيولة. لكن علينا ان نعترف بان المواطن لن يسمع ذلك الا اذا شعر بقيمته وفرصته، ماليا وعلميا وسياسيا. والا فان الارهاب جاهز لتلقفه ولحشو كل هذه الفراغات ولو بوهم لا انساني.
يبقى ان تخيل لو ان المليارات التي صرفها العرب على الاقتتال قد صرفت على التنمية، هل كان علينا الان ان نواجه معركة الارهاب والتكفير ؟
قد لانكون من المتحمسين لحكم الجيوش، ولكننا في هذه الفترة العصيبة نفضل الف مرة جيشا وطنيا على حكم لا يؤمن بالوطن ولا بالسيادة ولا بنتائجها. على انه يبقى لهذه القوات المسلحة ان تدير الامور بعيدا عن الفساد والاستبداد، كي تتحقق التنمية فعلا، وعليها يمكن تحقق التوعية، كي يظل لدى الناس ما لا تكفر به. ( ثم نتحدث عن التكفيريين!)
وقد نكتب عن مصر لنكتب عن كل الدول العربية. اوليست هي دولة الاقتراح كما يقول نادر فرجاني ؟