خرجوا من الباب ليعودوا من الشباك، وكل حسب ستراتيجيته. البوشان ( الاب والابن) كانا يعتمدان ستراتيجية التدخل المباشر، واعلناها في اكثر من مرة، منها خطاب حال الامة. واوباما يعتمد ستراتيجية التدخل الناعم : درب مقاتلين، ارسل سلاحا، وتبادل معلومات استخبارتية، وهذا ما اعلنه في اكثر من مرة، منها خطاب حال الامة.
فهل اننا لا نصدق ما يقوله قادة وستراتيجيو اكبر دولة في العالم لنعتمده قاعدة للتحليل؟ ام اننا شعوب لا تعيش الا باحقادها التي تكتفي بالكلام ازاء العدو وتتحول الى ذبح وتفجير وتدمير ازاء المواطن المختلف. احقاد لا تتردد في ان تضحي ثمنا لها بالبلاد والعباد.
حقدوا على نظام صدام حسين لانه قمع واقصى واستاصل، فاستدعوا الاجنبي لاحتلال البلاد وتدمير كل ما فيها من بشر وحضارة وطاقات. وعندما حكموا بفعل الاجنبي، اقصوا واستاصلوا وقمعوا وبشعوا، فتمت لعبة تبادل المواقع وحقد الاخرون فاستدعوا الاجنبي من داعش وممولي داعش وانتقموا من البلاد والعباد ومضوا حتى خطاب التقسيم الذي لم ينجح فيه الاحتلال وجماعته، لتخرج علينا التايم اليوم بعنوان : “نهاية العراق “! وتصفق الايدي العربية التي يتقطر من اصابعها دم العراق.
في السيكولوجيا تبدو هذه القراءة الكيدية واقعية وموضوعية، ولكن في السياسة، يتجاوز الامر ذلك الى ان هذا الممول وهذا الداعم، اجنبيا كان ام عربيا ام شرق اوسطيا ام اسرائيليا لا يبني خططه تفهما لمظلومية واحقاد هذا الطرف او ذاك او كرمى لعيني رغبة الانتقام لدى طرف كان ظالما فاضحى مظلوما. هذا الاجنبي يعرف كيف يعزز الاحقاد ويدعم الظالم ليزداد ظلما، كما يدعم خلف الابواب حقد المظلوم ليرتفع منسوب الرغبة في الانتقام، وعند لحظة الانفجار يغذي الاثنين معا لتحصل الامور باقصى ما امكن من دموية وهمجية. في كل ذلك لا يتعدى الطرفان كونهما العوبة موت في يد عدو الامة.
فهل نستطيع، والحال هذه ان نقول ان المسؤولية تقع على وولفويتز الاسرائيلي- الاميركي صحاب ملف العراق في اسرائيل كما في واشنطن، ام على معلمه ومثيله ريتشارد بيرل ؟ او على كيسنجر او على بريجنسكي ؟
هل كان لستراتيجيات هؤلاء ان تنجح في لعبة تبادل الانتقام لو اننا تخلينا عن عفن طائفيتنا ومذهبيتنا وقبليتنا ؟ لو كان لمجتمعاتنا مفهوم المواطنة ؟ لو كان لكل فرد فينا ثقافة قبول الاخر المختلف رايا، ورفض القريب المتخلف عن الولاء للدولة… نحن شعوب متخلفة تعيش في القرون الوسطى وبدلا من ان نتجه نحو التنوير فاننا نغرق اكثر فاكثر في مستنقع العفن. وذلك بدليل بسيط – ونحن نكتب من وحي العراق – ان الاحزاب السياسية في العراق بدات سياسية ولكن ما ان برزت بشدة، حتى ازيح السياسيون الحقيقيون، الحزبيون الحقيقيون، الى الوراء وعادت هوسات القبائل والاعراق والمذاهب. نعم! الاميركي والموساد وحتى ايران ساعدوا في ذلك. حسنا. ولماذا استجاب الناس لهم؟ اي ان المشكلة فينا، لنعترف، والمشكلة ستتفاقم طالما اننا ننكر حق الاختلاف ولا نربي العقل النقدي ولا نطلقه لدى شبابنا، لا نعبر بهم الى افاق الحداثة الانسانية بمعناها التوام للحرية ولحقوق المواطنة ولحقوق الانسان. وكل هذا لن يكون ممكنا مع الامية والجهل، مع الفقر والبطالة والتهميش، مع التعليم الشكلاني الببغائي الذي يخرج جهلة، وفي احسن الاحوال تكنوقراط، يدعون العلم ويتصدون للادوار القيادية، وبالتاكيد لن يكون مع الفكر التكفيري الظلامي، الذي يجد تربته في كل تلك المصائب والذي يهدد كل بقعة في العالم العربي وليس دول الغرب كما يحلو لنا ان نغرد ( فالغرب رمى زفر لحمه المطبوخ علينا).
نهاية العراق، تقول التايم فهل وصلنا فجاة الى نهاية العراق وتفجره؟ الم ترسم هذه النهاية منذ الحرب العراقية الايرانية ونظرية الاحتواء المزدوج ؟ الم يكن من بين النتائج التي سببتها تلك الحرب نزول الاساطيل الاميركية في الخليج ومن هناك انطلقت بعد عشرين سنة لاحتلال العراق ؟ الم ترسم هذه النهاية منذ ملف العراق في حكومة نتنياهو في بداية التسعينات؟ الم ترسم هذه النهاية منذ الاستدراج الى الكويت؟ الم ترسم هذه النهاية منذ عجز المشروع النهضوي الذي حمله البعث عن ان يكون مشروعا جامعا لكل العراقيين بدون ثمن الموالاة القسرية التي اثبتت تجارب العالم كله انها تنتزع الانتماء من قلب الانسان مهما اعطته من مكاسب؟ الم ترسم هذه النهاية منذ قبل العراقيون بعد الاحتلال بالمحاصصة الطائفية التي اصبحت فعليا محاصصة بين ايران والسعودية والكل في الرصيد الاميركي، وفي نهاية المطاف الاسرائيلي؟ الم ترسم تلك النهاية منذ ان اصبح الحقد والكيد والانتقام هو ما يحرك المواقف والافعال؟
والسؤال الاخطر: اوليست كل هذه الاسئلة اجزاءا من اللوحة التي ترسم نهايتنا كعرب يطمحون الى اللحاق بركب الحضارة الانسانية او على الاقل الى الحياة بكرامة؟