تحولات سياسية

شؤون دولية، 22-05-2014

التوازن الدولي يتحول! أجل.. هذه حقيقة لا يمكن لإنكارها أن يلغيها، وعليه راح كل العقلاء يعترفون بها.

تاريخياً، كلما كان العالم يفقد التوازن كان يغرق في طوفان مخيف من الحروب، وكانت الحروب تنتهي دائماً إلى توازنات جديدة، إلى حروب باردة جديدة.

الولايات المتحدة لم تعد سيدة العالم الوحيدة وهي تعرف ذلك جيداً بما يليق بقوة عظمى لا مجال لديها لسياسة النعامة. معرفة لا بد لها أن تترجم بتحولات استراتيجية، كان أولها إعلان نهاية الحروب العسكرية والانتقال إلى القوة الناعمة: الاستخبارات والحروب بالإنابة أو حروب التدمير الذاتي، فيما شكلت ليبيا أول مثال صارخ له، وكرت السبحة. أما ثانيها – وأعلن على لسان رئيسها أيضاً – فهو انتقال التركيز العسكري والسياسي من منطقة الشرق الأوسط إلى المحيط الهندي، وهذا ما يتم تنفيذه منذ أربع سنوات.

عام 1958 حدّدت دراسة لوكالة البث الإذاعي الدولي الأمريكية، أسباب التركيز على الشرق الأوسط بأربعة عناصر: النفط، “إسرائيل”، الموقع الاستراتيجي ونمو الحركات الثورية. وفي عام،2014 لم تعد الولايات المتحدة عطشى للنفط لأنها ستصبح مصدرة له، أي أنها أصبحت بحاجة إلى مشترين لا إلى بائعين. أما الحركات الثورية فقد توقفت وأما “إسرائيل” فقد تم تأمينها بتدمير الجيوش المهددة لها: تحييد المصري، تدمير العراقي وشل السوري. يبقى الموقع الاستراتيجي وهو بدوره خاضع لتأثير المتغيرات التي تجعل من مواجهة الصين وروسيا أمراً أكثر إلحاحاً من مواجهة أوروبا عبر المتوسط، حيث تم إلحاق الأخيرة بعد ترجيح كفة الأجنحة الأطلسية في السياسة الأوروبية الغربية على كفة أجنحة الاستقلالية (ألمانيا – فرنسا – إيطاليا – وبالطبع بريطانيا)، وبعد إلحاق أوروبا الشرقية الخارجة من عقدة الحلم الليبرالي إزاء الجدار السوفييتي.

يوم أطلق النظام العالمي الجديد كان على الإمبراطورية الجديدة أن تواجه الصعود الأوروبي والصيني، وهذا ما كتبه كولن باول في تحليله الحرب على العراق. الأولى أدخلت بيت الطاعة والصين أصبحت تقف في صف منظمة شنغهاي ومجموعة “البريكس”، دول لم تكن في الحسبان السريع وبشكل خاص روسيا التي توقعت لها كوندوليزا رايس في رسالتها للدكتوراه عام 1989 أن تأخذ خمسين عاماً حتى تنهض من انهيارها، فإذا بالرقم يقسم على خمسة. لذا لا بد من المواجهة.

الحرب الباردة تعود، ويبدأ لي الذراع من يوغوسلافيا، ثم ينتقل إلى جورجيا، ومن ثم إلى سوريا والآن إلى أوكرانيا. في أزمة أوكرانيا يتضح أمران: الطاقة هي لب الصراع الدولي – الصراع يدور على أوروبا وعلى آسيا المحيط الهندي. انقطاع الغاز الروسي عبر أوكرانيا قد يفتح السوق الأوروبي أمام الغاز الأمريكي المقبل، ويكرس تبعية القارة العجوز نهائياً للقوة العظمى الشابة. لكن موسكو ترد بالإسراع بتفعيل خط السيل الجنوبي عبر أوروبا الشرقية. الولايات المتحدة تقود الأطلسي إلى إعلان عقوبات على موسكو فترد الأخيرة بسلة عقود تنقيب عن الغاز مع “أكسون موبايل” في أقصى الشرق الروسي، وعقود تصدير لمدة ثلاثة عقود مع إيران ومن ثم الصين كما مع إيطاليا والنمسا، لم ينس الروسي الالتفاف أوروبياً ولكنه أوجد البديل في الشرق في حال تعثر الجناح الآخر. أو بالأحرى لم يترك بيضه في سلة واحدة كما تقول أبسط الحكم. خاصة بعد أن أمنت له تطورات الحرب في سوريا عدم وصول غاز آخر إلى المتوسط عبر حمص أو حتى غيرها.

كل هذا سيجعل الأمريكي يلحّ أكثر في نقل مجال مواجهاته من منطقتنا إلى محاور أخرى. وهنا قد يترك بعض المصالح العربية جوائز ترضية لحلفائه الأوروبيين خاصة بريطانيا ذات التاريخ العميق في المنطقة العربية، وبنسبة أقل فرنسا الواقفة على شفير الهاوية الاقتصادية. في هذا السياق تتبدى حكمة الدول التي تحسن القراءة المستشرفة والتي عملت منذ سنوات طوال على الحفاظ على توازنات معينة وعلى مد أكثر من خط إقليمي ودولي، كما يتبدى مأزق الدول التي راهنت على الولايات المتحدة فحسب، على صداقة واشنطن لهذا وعدائها لذاك، في تجاهل لأبسط قواعد السياسة الدولية وهي أنها تقوم على مصالح وطنية هي وحدها الثابتة وكل ما تبقى متحول.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون