هل سيشكل موضوع الاسلحة الكيماوية بداية نهاية الازمة ام بداية نهاية دمشق؟ سؤال تدفعه الى الذهن المقارنة التي تفرض نفسها مع ذاكرة اسلحة الدمار الشامل العراقية.
واذا كان الجواب لا يتشكل وفق المعطيات المحلية ولا حتى الاقليمية، بل ضمن السياق الدولي الذي يجمع معطى الازمة الاقتصادية العالمية الى ضغط المجمع الصناعي العسكري الى اهداف اللوبيهات الصهيونية واخيرا لااخرا الى طبيعة التوازن الدولي. فان المعطيات الثلاث الاولى قد لاتكون قد تغيرت كثيرا عن المرحلة العراقية، باستثناء تفاقم الازمة الاقتصادية خاصة في الولايات المتحدة الاميركية. غير ان الرابع قد اختلف اختلافا كبيرا يكفي للتعبير عنه صورة بوش وهو محاط بتحالف دولي من 22 دولة بينها الدول الكبرى، وصورة اوباما وهو محاط برئيسي استونيا وليتوانيا ودولتين اخريين، ووصفه هولاند بانه الحليف الاوروبي الوحيد. وحده الديسك المستدير للجامعة العربية المرحومة، لم يشهد اختلافا كبيرا الا في موقف مصر الذي لا تسمح له الظروف الداخلية بالمضي بعيدا.
المهم اننا عندما نسمع ان التفاوض حول الاسلحة الكيماوية كان يدور في الكواليس منذ اشهر، فانه لا بد لنا ان نؤكد التحليل الذي يقول ان المستهدف الاول من كل الازمة السورية هو التخلص من اخر سلاح يقيم توازن رعب مع اسرائيل. وان كل ما حدث في الظاهر مناورات متبادلة للوصول الى هذا الهدف.
اما في التفاصيل فثمة عشرات من الملاحظات تحتاج الى دراسة علمية كاملة ولكن بعض الامثلة منها تقفز الى الذهن:
- قبل اسبوعين كتب روبرت فيسك تحليلاً في صحيفة “ذي اندبندنت البريطانية يقول فيه : “اذا قرر باراك اوباما ان يهاجم النظام السوري، فسيكون قد ضمن – للمرة الاولى التاريخ- وقوف الولايات المتحدة الى الجانب الذي تقف فيه “القاعدة”. وهذا منطق استعاده العديد من السيناتور الاميركيين.ربما عن صدق وربما لتبرير عدم القدرة على الذهاب الى الحرب.
- الشخصنة، التي تشكل احد قواعد اعلام الحرب التي كرّسها رسميا اللورد بونسومبي في الحرب العالمية الاولى، لم تتغير تطبيقاتها في الاعلامين العربي والاجنبي: فسوريا ارضا وبشرا تغيب، لتصبح الضربة ضد بشار الاسد، كما كانت ضد صدّام حسين. غير ان المنطق يتغير ليقال ان الضربة لن تقضي على بشار ولا على نظامه. اذن المطلوب في حقيقة الامر هو راس الجيوش العربية المحيطة باسرائيل، اما بالتدجين والالحاق واما بالتدمير، تدميرا يقتضي تدمير سلاحها.
- قصة الاسلحة الكيماوية والمفتشين لا تختلف بشيء في حيثياتها واساليب اخراجها وعدم الالتفات الى من يكذبها. مثلا عدد من المراسلين الغربيين الذين ذهبوا الى الغوطة كتبوا تقارير بالانكليزية والعربية قائمة على شهادات وتحقيقات منهم مراسلة وكالة اسوشيتدبرس الاميركية في عمّان، ديل غافلاك Dale Gavlak التي كتبت ان “السلاح الكيميائي الذي استخدم في مناطقهم (المعارضة في غوطة دمشق) ارسلته دولة عربية الى المتمردين، لكنهم فشلوا في استخدامه ما ادى الى وقوع مجزرة بين المدنيين والمسلحين على السواء.” واضافت المراسلة، وتعمل سوية مع شبكة (بي بي سي)، انها استمعت لشهادات العديد من اعضاء منظمة “اطباء بلا حدود،” الذين يقدمون خدمات طبية للاهالي هناك، والى السكان والعديد من المقاتلين وعائلاتهم الذين اكدوا لها ان بعض المتمردين حصلوا على السلاح الكيميائي، وهو غاز الاعصاب.
- التركيز على قصص النساء والاطفال هي هي، منذ قصص اطفال الحاضنات الكويتية دون السؤال: كيف يمكن ان يموت النساء والاطفال وحدهم، هل يختار المهاجمون جمعية نسائية او حضانة للاطفال؟ اام نها برمجة اعلامية تشكل جزءا من الحرب السيكولوجية ومن توظيفها للتاثير على الراي العام.
- رغم كل ذلك كان اوباما عاجزا عن الحصول على تفويض الكونغرس، بل ان هروبه اليه برهن على انه وقع في شرك اتخاذ قرار لا يريده. وهنا مد له بوتين خشبة الخلاص نتيجة للمحادثات الطويلة التي كانت دائرة. والتي لا شك في ان الانكليز كانوا يعرفون شيئا عنها مما دفع باتجاه قرار مجلس العموم. كذلك المانيا وفرنسا التي لم تجد وسيلة لاثبات الوجود في الحلقة الا المبالغة في الصراخ.
- اما وقد كشف النقاب عن ان التفاوض حول الاشراف على الاسلحة كان مترافقا مع تفاوض اخر حول جنيف 2 يمر بتشكيلة حكومة الثلاث عشرات التي شكلت الوزارات السيادية عقدتها، وحول ترشح الرئيس الاسد لانتخابات 2014، فان السؤال سيطرح: هل عنى اعلان المعلم عن القبول بالاشراف قبولا مقابلا بشيء مافي هذا الخصوص ؟
- ايا يكن القبول والقبول المتبادل فما لا شك فيه هو ان صفقات وتوزيعات اقتصادية ستكون الاساس في الصفقة المقبلة. سواء بخصوص الغاز او النفط او شراءالاسلحة او اعادة الاعمار.
- وبالنسبة لاسرائيل ولوبيهاتها، هل اخذت حصتها من الصفقة بتدمير الكيماوي وانتهى الامر ام ان سلسلة مطالبها قد بدات ولا نعرف اين تنتهي؟
المؤكد الوحيد هو ان الرابح الاكبر من كل ما يجري هو روسيا، واذا مافهمنا تصريح روحاني في مؤتمر منظمة تشنغهاي كمؤشر على خطوة مقبلة تتجلى في حل لمشكلة الملف النووي الايراني، قد تكون القبول بالانضمام الى معاهدة عدم الانتشار ورقابة المنظمة الدولية للطاقة الذرية. مما يعني سلة واحدة. فماذا ايضا السلة؟