مرة اخرى يعود السؤال : هل اريد للدول العربية ان تتحول الى مصفاة للارهابيين من كل انحاء العالم، كي يرتاح هذا العالم وندمر نحن؟ بداية، طرح السؤال من سوريا وان كان قد لاح بخجل شديد من ليبيا، حيث كان الامر ما يزال يبدو للكثيرين وكان ثمة عصا سحرية مست الارهابيين الليبيين فتحولوا بعين الغرب والشرق الى مناضلي حرية.
في سورية لم يكن هناك ثمة لبس، من كل الاشكال والالوان والجنسيات جاؤوا، ليحرروا بلاد الشام ويحولوها الى خلافة اسلامية قاعدية. وخلال الاسبوع الفائت تجاوزت وسائل الاعلام الغربية كل ما قالته في هذا الصدد، الى حد ان صحيفة لوفيغارو الفرنسية نشرت تسجيلا لارهابي فرنسي يدعو فيه كل مسلمي العالم للجهاد في سوريا واقامة الدولة الاسلامية في بلاد الشام، كما يدعو فرانسوا هولاند لاعتناق الاسلام. جاء ذلك بعد عدة تقارر حول اعداد الارهابيين الاوروبيين عامة والفرنسيين خاصة. لكن السؤال ظل يتردد حول ما اذا كان هناك ثمة تحالف بين هؤلاء وبين الاخوان المسلمين الذين يرتدون عباءة تعتبر وسطية بالنسبة الى التكفيريين، كما ان الاخوان قد بنوا تاريخهم السياسي على انهم ضد العنف ومن دعاة التغيير الاسلامي بالسبل السلمية. السؤال يبرز اليوم في مصر، وبشكل خاص في سيناء، فمن اين تجمع كل هؤلاء الالاف في سيناء ؟ ومن الذي ادخلهم ؟ من الذي سلحهم ودربهم ونظمهم ؟ الجواب يتجه طبعا الى حكم محمد مرسي او بالاحرى خيرت الشاطر ومحمد بديع، ولكن هل كان الغرب بكل وسائل رصده واستخباراته وبعلاقته الخاصة مع حكم الاخوان بغافل عن تحرك بهذا الحجم ؟ وهل ياتي القضاء عليهم خارج شروط الاعتراف بالحكم الانتقالي ؟
في سوريا قال المحللون منذ بداية الازمة، ان ثمة رهانا عربيا غربيا يتمثل في ترك كل هؤلاء الجهاديين التكفيريين ياتون الى بلاد الشام، هكذا ينكشفون وتتولى القوات السورية قتالهم فيفنى الطرفان ويرتاح الغرب والشرق وبعد انتهاء العاصفة ياتي المستثمرون لكنس الساحات من الجثث والدمار ويبدا عرس اعادة الاعمار ليهنا العروسان : الشركات المتعددة الجنسيات وفروعها الاقليمية والانظمة المتحالفة معها او بالاحرى التابعة لها. ويكون النفط والغاز السوريين اللذين تحبل بهما سوريا قد بيعا في سوق النخاسة قبل ولادتهما القيصرية.
اليوم مصر ؟ ماذا لمصر ؟ ام الدنيا وسند العرب والافارقة، هل سيكون لثورتها ان تنشغل بتنظيف سيناء والعريش من اللذين نموا فيهما والذين تسللوا اليهما ؟ تنظيف ان هو في احد وجوهه الا ارساء لكامب ديفيد وضمان لحدود اسرائيل مع مصر بما يجعل منه ثمنا للموافقة الاسرائيلية ومن ثم الدولية على التخلص من حكم الاخوان. وبعدها : اما المصالحة التي تحل مشكلة الغرب الاميركي والاوروبية مع حليفيه واما الحرب الاهلية التي لا تبقي ولا تذر.
الخياران طرحا اخوانيا مرتين خلال الاسابيع الماضية : المرة الاولى في مؤتمر التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين في اسطمبول، والثاني في لقاء وزير خارجية تركيا بوزير خارجية ايران.
في الاول قدم “المركز الدولي للدراسات والتدريب”، وهو الذراع التخطيطية للتنظيم الدولي للاخوان ورقة درست اسباب فشل حكم مرسي وخلصت الى امرين : الاول انه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة التي خذلت التنظيم وعليه فمن الافضل التركيز على العلاقات مع تركيا وقطر وربما اوروبا، والاستعانة ببعض الدعاة من دول الخليج. والثاني هو طرح عدد من السيناريوات والمقترحات للتعامل مع الموقفالمصري، بينها «الراية البيضاء أي التسليم بالأمر الواقع بلا قيد أو شرط وقبول خريطة الطريق التي أعلنها الجيش»، وسيناريو تفعيل المادة 150 من الدستور وطلب الاستفتاء على بقاء مرسي، وسيناريو «الصمود والدفاع عن الشرعية بالنفس الطويل ورفض المساس بشرعية الرئيس المنتخب مهما بلغت الضغوط والعمل على إحداث صدع في الجيش»، وهو الذي ترجحه. وهناك سيناريو آخر يقضي «باللجوء إلى عسكرة الصراع»، وهو ما وصفته الورقة بالخيار الكارثي، حيث إنه سيقود إلى تدمير البلاد على غرار ما يحدث في سوريا.
اللقاء التركي – الايراني جاء ليفعّل خيار انخراط الاخوان في الحياة السياسية في مصر وخفض سقف مطالبهم كي لا يخسروا كل شيء، وهو ما اتفق على ان تضغط انقرة باتجاهه. دور تجد فيه حكومة اردوغان مجالا لاستعادة دور ما بعد ان اخرجتها السعودية مع قطر من المعادلة السورية.
من هنا يمكن ان نقرا تزامن العملية العسكرية في سيناء مع تسريب معلومات عن قبول الاخوان بالتفاوض مع الحكومة الانتقالية والجيش نوعا من عملية تصفية للمتطرفين وصولا الى حصول تفاهم مع السياسيين. كما يمكننا ان نفهم لماذا اراد الاخوان منح هذه الهدية لاشتون لا للمبعوث الاميركي. دون ان يعني ذلك عدم وجود مؤيدين للخيارات الاخرى التي طرحت في ورقة التنظيم الدولي.