لو لم تؤل الأحداث في القصير إلى ما آلت إليه لما دار الحديث الجدي حول مؤتمر جنيف.
ولو لم تكن النتائج ما هي عليه لما وجدنا الفرنسيين وهم اكثر الأطراف تشددا يطالبون بوقف إطلاق النار قبل موعد المؤتمر.
وقف إطلاق النار هذا لنا معه قصة، فكلما كان يبدو ان إسرائيل قد تعبت في معارك مواجهاتها مع العرب، كان مجلس الأمن يسارع إلى إصدار وقف لإطلاق النار، بناء على كون الدولة العبرية منتصرة في الحروب قصيرة الأمد وخاسرة حكما في الطويلة منها.
ما يدور في القصير اليوم ومن ثم في حلب ليس ببعيد عن المعركة مع إسرائيل، فمعركة سورية كلها هي جزء من الحرب العربية الإسرائيلية ولا يغير في الأمر شيئا كون بعض العرب يساهمون فيها لصالح العدو، فهذا ليس جديدا، اللهم إلا في علنيته.
الفرنسيون قلقون من ان يؤدي اتفاق روسي – أميركي إلى وضعهم خارج سياق المكاسب كما حصل في العراق، وعاصمة الاستعمار القديم لم تتعود ان تذهب ثروات العرب إلى غير خزائنها، خاصة اولئك المصنفين فرانكوفونيين. لوران فابيوس يناسبه هذا الكلام جيدا لانه ينسجم مع يهوديته المتصهينة الى ابعد الحدود، ولذلك يرث برنار هنري ليفي في موقع عرّاب “الثورات العربية !!”
هكذا تحول لقاء لافروف – كيري – فابيوس في باريس إلى مهاجم روسي ومدافع فرنسي وحكم أميركي. توزيع ادوار بين الفرنسيين والأميركيين في وجه الروس. الأرجح كذلك، لان فرنسا الاشتراكية الفابيوسية هي التي حاربت عام 1991 وراء الأميركيين ضد العراق، في خطوة لم تخرج عن سياق التبعية التي يدينها اليساريون الوطنيون الفرنسيون قبل سواهم، وكلنا يذكر تبرير جان بيير شفينمان لاستقالته من وزارة الدفاع انذاك بانه احتجاج على ارتماء فرنسا في ذيل التنورة الأميركية – حسب تعبيره.
واشنطن دفعت إسرائيل لشن الغارة على قاسيون لإحراج الروس قبل لقاء موسكو مع كيري، وواشنطن تدفع فابيوس للدفاع المستميت عن المعارضة لإحراج الروس قبل قمة بوتين – اوباما، ولكن كيري يعرف كيف ينسحب بخبث إلى دور الحكم. انسحاب لا شك في ان ظروف الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية تبرره، ولكن مبرره الأساسي يبقى في الحقائق التي تفرضها المعادلات على الأرض السورية.