كان وجهها قبيحا فأغرقته بالمساحيق، الأحمر الذي يحبه الناس على الشفاه والخدود، الكحل الأسود فوق العين ( وما جادت به وسائل التجميل الحديثة من رموش اصطناعية وحواجب (تاتو) أي وشم ببساطة. الكريم الخاص الذي يشد البشرة مؤقتا لمدة أربع وعشرين ساعة، وأخيرا الباروكة الشقراء التي تغازل عقدة النقص العربية تجاه الغرب.
أصبح الشكل مرضيا لجمهور العرس، وساعدهم على تجاهل أن العرس ساحة جريمة بحق العريس المغدور. لا بأس فهو طالما كان مغدورا في كل أعراسه السابقة. ففي نهاية الحرب العالمية الأولى قالوا له: قم بثورة وسنعطيك حق أجدادك، صدق ولكنهم لم يصدقوا بل كانوا يعدون له في الخفاء توزيع ذلك الموروث بطريقة جرمية لتمكين غريب من اقتطاع الحصة الكبرى فيه. قالوا له: استبدل العائلة بصيغة تعايش بين أبنائك، نسميها لك جامعة، فصدق، فكانت وسيلة ممتازة لتكريس كل المؤامرات والاتفاقات.
تتالت الأعراس المأتم. وكلما حاول التمرد على العروس الجديدة القبيحة المشوهة المفروضة، كسروا عنقه وأدخلوه رغما عنه بيت الطاعة، أصبح الأبناء الذين تولوا الأجزاء أداة التآمر على الأب الذي يحلم بتوحيد الكل. من عاند منهم، الحقوه بأبيه، نفوه، دمروه، قتلوه رميا من طائرة، تسميما، حقنة قاتلة، اغتيالا، تفجيرا أو شنقا، لا فرق. ومع كل جريمة جديدة كان لا بد من عرس جديد وحفلة مساحيق جديدة لا يهم مدى صلاحيتها، المهم أن تكون من النوع الذي يصمد حتى نهاية العرس – المأتم. أما إذا جاء المساء، أو الصباح التالي وبانت بشاعة وتشوه ومأساة ما كان وراءها، فليضرب الأهل رأسهم بالجدار، المهم أن الحفلة قد حصلت، والدخلة قد حصلت، وحبلت الشيطانة بمولود يشبهها.
في آخر الأعراس، أمس الاول، اكتظت المساحيق دون أن يكلف أحد نفسه بشراء ماركات جديدة منها. فالماركات القديمة هي هي، وفعاليتها في رسم القناع هي هي: فلسطين هي في المقدمة.. ولا بأس أن يكون ما يحصل هو آخر مسمار في نعشها، المهم أن يقول رئيس سلطتها بانه لم يبع دوره في رئاسة الاعراس لقطر عبثا، فها هو العرّاب الكبير يزوره، وها هو السارق الجار يفرج له عن خمسمئة مليون دولار يدفع بها رواتب مناضليه الذين تحولوا الى موظفين لا ينتظرون إلا آخر الشهر، وها هي حفلة مفاوضات عبثية اخرى تعد والهدف شاشات التلفزيون لا غير (كما قال وزير الدفاع الفرنسي عن حفلة مدريد بعد ذبح العراق). ثاني الماركات المسجلة التكامل العربي، الذي يخاطب نداء المتلقي العربي المسكين، وهو تكامل لن يتحقق إلا عندما يقتضي الامر التعاون على الحاق قطر عربي بالمسلخ لربطه بجنزير التبعية أو لتقطيع جثته. أما ثالث المساحيق فهو التعاون الاقتصادي يلوح به الأغنياء الذين لا يملكون الا ثروتهم للفقراء الذين يملكون كل شيء الا المال. وحتى هذا لن يتحقق الا لشراء الأهرامات والأقصر، وإعادة المناطق المتحضرة منذ فجر التاريخ الى ظلام التخلف الخماسيني.
انتهى مأتم الدوحة أمس، وابلغ ما فيه أن ثلاثة ممن كانوا وراء معاذ الخطيب على المنصة يحملون الجنسية الامريكية ليمثلون بها سورية، وأن اثنين منهم يعملان في المعهد الأمريكي للديمقراطية الذي يرأسه ضابط موساد متقاعد.