المذيعة الفرنسية تتحدث بحماس منقطع النظير عن المرأة التي ستُحصّل حقوق النساء اللبنانيات جميعهن،المرشحة المتحدية المتحررة التي ستقلب وجه المشهد البرلماني اللبناني، وتقطع الحديث بمداخلات لسيدة لبنانية تتحدث عن الاجحاف الذي تعيشه اللبنانيات والعربيات عموما. نصف ساعة من الحديث عن البطلة” لا اريد ان اذكر اسمها كي لا اساهم في الدعاية”، واخيرا يوضع الفيديو كليب الذي اطلق الدمية في ميدان السياسة. امرأة تبدو هيفاء وهبي امامها بالغة الحشمة، وفيديو كليب تبدو كل فيديوهات روتانا امامه محافظة : امرأة يبدو كل ما فيها مصنوعا ومكشوفا، مصنوعا بالعمليات والإبر ومكشوفا تارة من اليمين ومرة من اليسار ومرة من فوق ومرة من تحت، وحركات لم تصل الى اتقانها اشهر ملكات الاغراء في افلام البورنو. اما الكلمات فعدد مرصوف من دون اية جملة مركبة : المهم انها تعدد الماء والكهرباء والامن والطائفية وغيرها من المشاكل.
المحطة الفرنسية نفسها كانت تسوق لسيغولين رويال عندما كانت مرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية بانها تمثل في مظهرها اناقة الفتاة الفرنسية التقليدية، الجاكيت القصير والتنورة الكلاسيكية ” رفضت ان تظهر لها اية صورة بالبنطلون ” الشعر المسرح ببساطة والوجه الخالي من ماكياج بارز والحلي الصغيرة الدقيقة، ومثلها كان مظهر جميع النساء اللواتي خضن التجارب الانتخابية الفرنسية.
يومها قالوا ان مجلة ” ايل = هي ” الفرنسية الشهيرة هي التي اشرفت على مظهر المرشحة الرئاسية، ما يعني ان المظهر امر مدروس وله اعتباره الكبير في التأثير الذي يخلقه اجتماعيا عبر شخصية تتحول الى ايقونة او رمز. كما ان له اعتباره من جهة اخرى فيما يحركه لدى المتلقي من قبول ومن رفض. ما يقود الى ثلاثة اسئلة : من الذي يشرف على هذه الظواهر المتردية لدينا، في الفن والاجتماع واخيرا في السياسة؟ وما هو التأثير المطلوب ان تخلقة اجتماعيا؟ وكيف تحول مجتمعنا بحيث اصبح فيه من يتقبل هذا الاسفاف والسقوط.
لا شيء يحصل صدفة، خاصة في مجتمعاتنا مستهدفة من داخلها وخارجها مثلنا. لقد بدانا تسويق هذا النموذج الهابط والعاهر في الفن، ثم انتقلنا الى الاعلام ومن ثم الى الشارع والان يصل المد الى السياسة بعد ان هَيّأت كل المراحل السابقة الجمهور لتقبله.
عندما ارتدت ميشال اوباما فستانا من دون اكمام، قيل انها اول مرة تظهر فيها ذراعا امرأة في البيت الابيض، واحتج بعضهم لان ذلك يخالف القيم الامريكية السياسية، رغم ان الفستان كان عالي الرقبة وطويلا بما يكفي، ورغم ان السيدة الاولى امرأة جدية وعاملة وكان لها الفضل في وصول زوجها الى ما وصل اليه. لكن للحياة العامة حرمتها، خاصة عندما يكون المعني ممثلا للشعب او نموذجا له. والمجتمعات المتحضرة تعرف الفصل بين ثوب سهرة وثوب بحر وثوب استعراض وثوب مناسبة او حياة جدية.
اقلب عن المحطة الفرنسية وانا اكاد اختنق، واذا البي. بي. سي ايضا مشغولة بالمرأة العربية، وسيدة متقدمة في السن ثرية الاناقة تقدم على انها رئيسة جمعية (بصيرة؟؟) تتحدث عن بؤس النساء العربيات، وتقول بعربية صعبة انهن ينقسمن الى فئتين : سيدات ” نخب” متعلمات، وسيدات مسكينات عاملات كادحات بسيطات، وعلى النخب توعية الاخريات…. غريب هذا الطرح الاستعلائي الغبي. من قال لهذه المرأة ان العاملات الكادحات غير واعيات وغير متعلمات؟ ومن قال لها ان تقسم المجتمع الى هاتين الشريحتين، فاين الطبقة الوسطى التي تشكل غالبية النساء، وهي الطبقة التي تحدث التغيير في العادة في اي مجتمع؟
لماذا هذا الاستشراق النسوي؟ واين النماذج النسائية العربية التي تعد بالملايين من عاملات ومناضلات ومبدعات وامهات ونقابيات ومنتجات في كافة المجالات؟ لماذا لا يمل الغرب في اخفائها والتعتيم عليها ليقول للعالم اننا اما عاهرات واما جاهلات واما… بعض بورجوازيات قلة اصبحن نخبا لانهن يعشن في الغرب او يتعاملن معه ويتعلمن منه… ويساعدنه في رسم الصورة التي يريد…لنا