عندما يذهب واحدنا الى احدى الجامعات الاجنبية، الغربية او الشرقية، فانه يخضع الى امتحان دقيق في اللغة، واذا لم تكن لغته بالمستوى المطلوب، يخضع الزاميا الى مساق لغة لا يتم تسجيله في الجامعة الا بعد ان يعبره بنجاح.
وبمراجعة بسيطة لمستويات طلابنا الجامعيين في قدرات اللغة العربية، نجد انها تقل عن تمكنهم باللغة الاجنبية – بل وعن اي تمكن باية لغة ولو كانت لغة الاشارات. فاجعة اللغة العربية هذه لا يجوز تركها بلا محاسبة وبلا علاج. خاصة عندما نجد ان بعض هؤلاء الجهلة – بذنبهم او بغير ذنبهم – يتخرجون من الكليات واحيانا من الماجيستير، حاملين معهم وباءهم اللغوي الى فضاءات مجالاتهم العملية التي قد يكون منها مجالين خطيرين : الاعلام والتعليم. ويكفينا ان نراقب ساعتين على وسائل الاعلام المرئية المسموعة لنكتشف اية مجزرة تحل باللغة العربية وتهز عظام سيبويه في قبره. اما في التعليم، فالمشكلة انه قطاع يعمل خلف الستار، بحيث تتشكل منجزاته او اخفاقاته بشكل تراكمي طويل، لا يتم اكتشاف نتائجه الا بعد ان تكون الواقعة قد وقعت ومرحلة التاثير قد انتهت. ففي الجامعة نكتشف جريمة التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي بحق اللغة، وفي مجالات العمل نكتشف جريمة الجامعات التي استمرة في الاهمال والتخريب.
علينا ان نتوقف عن الضحك على انفسنا وعن الكلام عن مستويات التعليم عندنا، لان الكم لا يعني شيئا اذا لم يقترن بالكيف، ولانه لا كيف في اي علم بدون الكيف في اللغة. اللغة ليست فقط اداة الانشاء والعلوم الانسانية، بل ان خطورة دقتها تصبح اكبر في العلوم التطبيقية، حيث يمكن لتغيير حرف او حركة ان يغير معادلة كاملة ويخرب نظرية كاملة.
ولكن اللغة هي قبل كل شيء جسد الفكرة، فان لم يكن هناك فكر منهجي وحقيقي، فلن تكون الغة الا جثة تعيث فيها حشرات الارض وتشوهها في كل تفاصيلها، وقواعد اللغة هي علم المنطق، معادلات منطقية ( خاصة اللغة العربية ) فاذا لم يتعلم الطالب منطقها هذا فلن يكون حفظه لها في المدرسة الا كانزلاق الماء على زجاج مصقول. واللغة روح ثقافة وحضارة، فان لم يعرف الطالب ثقافة وحضارة امته ويحبها، فانه سيكره رائحة لغته المنبثقة من جثتها. واللغة هي نسق فكري يميز ثقافة عن اخرى، فاذا تارج الطالب كسائل هلامي بين انساق لا يعرف عنها ومنها شيئا وانقطعت جذوره عن نسقه، فستجف اوراق واغصان شجرة اللغة عنده، وسيبني كما الخلايا السرطانية خلايا فوضوية لانساق لا نسق لها.
مطلوب وبالحاح شديد التصدي لعملية اصلاحية كبرى تطال المنهاج التربوي لتعليم اللغة العربية، وتطال لغة الاعلام والفعاليات الثقافية ( بما فيها الاعلان ) ومطلوب من الجامعات – لحين تحقق ذلك – ان تعتمد امتحان دخول خاص باللغة العربية، ومساق تقوية لغوية يشكل النجاح فيه شرطا اساسيا للقبول بالنسبة لمن يفرزهم الامتحان المسبق.
وطني هو اللغة الفرنسية، قال نابوليون يوما. فاين هو وطن العرب؟