من غير المهم ان نناقش ما اذا كان ما سمي بالربيع العربي عفويا ومجرد حراك عربي، ام ان ايد غربية لعبت دورها فيه. المهم هو الحقيقة الواضحة في ان هذا الغرب الاطلسي قد عمل – وبنجاح -على تحديد وجهة هذا الحراك.
تعبير ” تحديد الوجهة” هو ما تستعمله مراكز الدراسات الغربية نفسها في دراساتها لكيفية توظيف السياسة ومنظمات المجتمع المدني والحساسيات، والاقتصاد في عملية التحديد، وعليه خصص صندوق جيرمان مارشال فند German Marshall Fund دراساته الصادرة في الاسبوع الماضي لما اسماه “اهمية تطوير العلاقات الاقتصادية التي من شأنها الاسهام في تحديد وجهة الربيع العربي،”. ويكفي اسم هذا الصندوق لتوضيح المقارنة التي يقيمها هذا الغرب بين وضع العالم العربي بعد ربيعه ووضع القارة الاوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يعني ترتيب مشروع الحاق المهزوم نهائيا بالمشروع الاميركي. وكما كان الحال في نهاية الاربعينات عندما تقاسمت اوروبا القوتان العظميان : الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فان الامر ليس ببعيد عن ذلك في منطقة الشرق الاوسط حاليا. وخير مثال على ذلك، التهديد الذي اطلقه رجب طيب اردوغان للقارة الاوروبية في انه اذا ما استمرت اوروبا في رفض انضمام تركيا الى المجموعة الاوروبية، فان بلاده ستنضم الى منظمة شنغهاي.
غير ان الفارق بين اوروبا والشرق الاوسط، ان لدينا هنا ما لم يكن لديهم : اسرائيل. وعليه، فان بندا اخر يفرض نفسه على عملية تحديد وجهة التغيير، هو بند القضاء على اي خطر يتهدد الكيان العبري. الخطر يتحدد بثلاثة عناصر : الجيوش، المقاومات والقرار السياسي الذي يحكمهما.
بدءا من الجيوش : ثلاثة منها كانت تشكل تحديا لاسرائيل : المصري، العراقي والسوري. اولال تم تحييده بكامب ديفيد ومن ثم تقييده – كي لا يرتد عليها – بربط كل مصادر تسليحه وتدريبه بالولايات المتحدة الاميركية، ومن هنا لم يكن له ان يلعب دورا في الثورة المصرية، خارجا عن ارادتها.
العراقي تم تدميره بالكامل، ولم يكن من باب تهور بريمر ان يتخذ قرار حله رغم بعض المعارضات، لقد كان ذلك الهدف الاسرائيلي الاول من الحرب.
اما السوري، وهنا يتبدى تحديد وجهة الربيع العربي، فقد اصبح تدميره، وخاصة سلاح الجو فيه، الهدف الاول للاعمال المسلحة للجماعات الممولة والمدربة من قبل حلفاء ( او اتباع الولايات المتحدة ) من اطلسيين وعرب. وقد كان هذا الاستهداف واضحا منذ الايام الاولى للثورة السورية، حيث دارت حوله النقاشات الحادة والعنيفة في اطار المعارضات السورية في الخارج ( وقد حضرت الكاتبة بعضها في العاصمة الفرنسية ) حيث تمركزت هذه النقاشات حول لاءات هيئة التنسيق الثلاث : لا للعنف، لا للطائفية او المذهبية، لا للتدخل الاجنبي. وكانت الاطراف المعارضة لهذه اللاءات تصر على التدخل الاجنبي، حتى اذا بدا غير وارد في حسابات الغرب، استبدل بطلب التسليح وفتح الحدود امام التكفيريين، وتوجيه الجماعات المسلحة الى هدفين اساسيين: الاول استنزاف الجيش، والثاني تدمير المؤسسات الاقتصادية الانتاجية.
بالامس كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق الجنرال عاموس يادلين يقول إن «الحرب الأهلية في سوريا شطبت عن جدول الأعمال التهديد العسكري التقليدي الأخطر الذي يحدق بإسرائيل، فالجيش السوري لم يتبق منه سوى ظل قدرته الأصلية” ويضيف في مؤتمره الصحافي، الذي عرض فيه التقدير الاستراتيجي للعام 2013 الصادر عن «مركز دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، الذي يرأسه، أن “القدرة التنفيذية لهذا الجيش على لعمل ضد اسرائيل تهبط مع كل اسبوع يمر»، معتبراً أن «هذا تطور إيجابي في الجانب العسكري، ولكن في الجانب السياسي ايضاً. فالمحور الراديكالي ضد إسرائيل ـ من طهران، الى دمشق، الى بيروت والى غزة ـ آخذ في التحطم”
قراءة هذا التقرير الستراتيجي تقول ان الجهات الصهيونية ستعمل على توظيف نفوذها في العالم على اعاقة الحوار السوري – السوري، وتاخير الحل للافادة ” من “كل اسبوع يمر ” لاستمرار الهبوط. وبالتوازي لا بد من الانتقال الى العنصر الثاني في قائمة الخطر : المقاومات. وبذا نفهم التركيز الدائم على مسالة نقل سلاح من سوريا الى حزب الله، وتسويق قصف الموقع البحثي السوري التابع لسلاح الجو على انه هجوم على قافلة تنقل سلاحا الى الحزب، ومن ثم اشعال الوضع في بلدة عرسال الحدودية مع الجيش واتهام الجيش بالتنسيق مع عناصر من حزب الله وعبر افتعال قصة اغتيال نائب ووزير لبناني سابق لا يشكل اية اهمية لا على الصعيد السياسي ولا الامني ولم يعرف الا بصورته منحنيا على يد السفير الاميركي، وعندما فضح القضاء تلفيق القصة، شن النائب هجوما على القضاء ورئيس الجمهورية وحزب الله معا. واخيرا قصة بلغاريا.
اما ما بعد الحل فيرى الخبير الاسرائيلي ان خطر سوريا سينحسر لانها ستكون منشغلة بترميم وضعها الدالخلي ولن تتجه الى الخارج، ويضيف : ” « لن يهم هنا إذا كانت سوريا سنية متطرفة أو دولة مقسمة إلى عدة دول لأنها سوف تنشغل بنفسها”.هنا ياتي دور مقترح جيرمان مارشال، في توظيف المساعدات الاقتصادية لتحديد وجهة المرحلة الجديدة، ويكون تقييد الاقتصاد تقييدا للقرار السياسي. وبذا نفهم لماذا عمل المسلحون على تدمير الاف المصانع السورية.
غيران تحقيق هذه الحسابات ليس بهذه السهولة لا في ضوء المعادلات الدولية ولا الاقليمية ولا بناءا على قوة الردع التي لدى المقاومة.
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.