عودة الاستعمار الفرنسي

الربيع العربي، 21-01-2013

هل تتجه فرنسا لحل مشكلتها الاقتصادية عبر مالي؟ ام انها تتجه الى الغرق في مستنقع استعماري لن يخرج منه فرانسوا هولاند الا وقد فقد شعبيته وفقد معها صورة اليسار الفرنسي؟

الفرنسيون لن يحاسبوا الا بالنتائج، وقليل منهم من سيتجه الى طرح السؤال الاخلاقي كما فعل الرئيس الاسبق فاليري جيسكار ديستان او رئيس الوزراء دومينيك دو فيللوبان. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان هذين الزعيمين ينتميان الى معسكر اليمين فان السند الاخلاقي للسؤال قد يصبح مشكوكا بامره، خاصةاذا مااقترن بسؤال اخر: لماذا لم يعترض اليمين على غزو ساركوزي لليبيا علما بان الفرنسيين يطلقون على حرب مالي اسم حرب ليبيا الثانية؟

هولاند يصرح بان القوات الفرنسية ستبقى الى ان يتم القضاء على الارهاب، ووزير خارجيته يدعو الدول الافريقية لتحمل الاعباء العسكرية للحملة، مما يعني ببساطة ان فرنسا لم تذهب الى هناك كي ترحل، ولكنها من جهة اخرى تريد تحميل الخسائر البشرية للافارقة. من هنا يكون عديد جنودها البالغ 2500 هو عديد خبراء يوجهون القوات الافريقية، ويضطلعون هم بالتخطيط والاستخبار وفي نهاية المطاف حماية المصالح الفرنسية في اليورانيوم والملكات والغاز والنفط. باختصار استعمار جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولكن هذه المرة بدماء افرقية واموال عربية. اجل عربية، وكان مال العرب بات منذورا لتمويل حروب الغرب على العرب وعلى شعوب العالم الثالث، من العراق الى افغانستان الى ليبيا الى مالي. تمويل لم تخجل الادارة الفرنسية من طلبه علنا، ومن ثم من الاعلان عن بدء دولة الامارات بتوفيره بعد زيارة هولاند الى الاتحاد.

غير ان النداء السريع الى الافارقة يخفي وراءه مازقا فرنسيا، حيث تحدثت الانباء عن وقوع خسائر في الطائرات والارواح لا يتحملها الراي العام الفرنسي، كما تحدثت عن مجازر رهيبة رافقت احتلال كونا، وعلى اساس عرقي، من صالح الادارة الفرنسية والغرب اخفاءها. ولاجل هذا فرضت، دولة الحريات، الحجر الكامل على الصحافيين بما فيهم الصحافيين الفرنسيين، بحيث اطلق هؤلاء على الحرب المالية عنوان: حرب بلا صور. كما تحدث مراسل فرانس 24 خليل بشير ( وهو من اصل عربي )عن منعه الكامل من الوصول الى مناطق القتال او التقاط اية صورة او مقابلة عسكريين عائدين من تلك المناطق. كما قارن مراسل نوفل اوبسرفاتور جان بول ماري بين هذا الحظر وذاك الذي طبق على الصحافيين في حرب الخليج الاولى ضد العراق ليخلص الى انه هذه المرة اشد واكثر تعتيما، فلا معلومات لا عن الخسائر ولا عن المجازر ولا عن النازحين. وعند هذه المقارنة تعود الى الذاكرة واقعة قضية رفعتها قيادة  الجيش الفرنسي عام 1991 على تلفزيون باريس 2 وعلى صحيفة لوموند لمجرد نشرهما صورا لجنود فرنسيين في الصحراء العربية بدوا مرهقين وبائسين، واستندت الدعوى الى حجة ان صورا كهذه تسيء الى معنويات الجيش في وقت المعركة، غير ان ما لم تقله هو امكانية تاثيرها على الراي العام الفرنسي الداخلي. لان هذا الراي العام لا يهمه، كما دلت التجربة ما يمكن ان يعانيه الاخرون من مجازر وتدمير وتهجير طالما ان وراءه الوعد بمنافع اقتصادية وثروات تتدفق الى خزائنهم وتضمن لهم ترف تربية كلابهم وقططهم، فكيف بهم وقد ذاقوا الان ضيق الازمة الاقتصادية؟  غير ان رؤية اولادهم متعبين او حزانى يمكن ان تقلب مواقفهم. هكذا تقاتل فرنسا الارهاب في مالي والهدف ثروات افريقيا، وكانت قد قاتلت مع الارهاب  في ليبيا لاجل الغاز، وتغذي وتسلح الارهاب في سوريا لاجل الصراع على مصالح الغاز بين روسيا وقطر، اضافة الى تحقيق مصلحة اسرائيل. وتظل في كل حالاتها دولة استعمارية قميئة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون