انه الوباء، ولا بد من الاعتراف بانتشاره كي يمكن التصدي له – اذا كان الامر ما يزال ممكنا. وباء لم تتفق العبقرية الغربية عن سلاح اكثر منه تدميرا للعالمين العربي والاسلامي، ولم يكن نجاحها ممكنا لولا استجابة رهيبة من المعنيين. انه وباء المذهبية السنية – الشيعية، ولا بد من تسمية الامور باسمائها. واذا كان الاحتلال الاميركي قد اختار العراق منصة اطلاق لهذه القنبلة العنقودية، فلا بد من الاعتراف بان ذلك قد نجح في اصابة جميع اهدافه مستندا الى اكثر من قاعدة شحن ليس اقلها الحرب العراقية الايرانية. انطلق السهم الى كل مكان وها هو يعود من جديد الى نحر العراق، ليحول الصراع الداخلي من صراع لاجل السيادة والتخلص من اثار الاحتلال الذي دمر كل شيء، وعلى راس القائمة النسيج الوطني، الى صراع مذهبي قميء. فاضفاء الطابع المذهبي على الصراع القائم في بغداد والذي تحول خلالالايام الاخيرة الى انتفاضة شعبية ما هو الا عملية حرف لما يفترض ان يكون عليه فعل المقاومة العراقية، التي لم ينته عملها بمجرد الانسحاب الاميركي.
حرف عن المسار، يتجلى في تحويل الحراك الى مجرد حراك سني ضد الشيعة وهذا ما حاول التيار الصدري تفاديه بانضمامه الى صفوف المعارضة، في خطوة حكيمة ربما تؤتي اؤكلها اذا ما قابلها المالكي بحكمة مماثلة، والا كان الدمار من جديد على ارض الرافدين. خاصة وانه من السذاجة اغفال الدور الخليجي في اثارة الحراك، وارتباطه بالوضع في سوريا. فتطورات الوضع السوري توضح انه يسير في واحد من اتجاهين: اما الحل السياسي الذي سيعود فيجمع الرباعية المكونة من مصر والسعودية وايران وتركيا، وهنا سيقع طرفان في المازق الحرج: قطر والجماعات المسلحة على الارض السورية. مما يعني ان الاولى ستسعى بكل جهدها الى منع الحل والا فالى دعم تفجير على ساحة اخرى يؤمن لها دورا بديلا. وانه لا بد من ايجاد ممرات امنة للمسلحين الاجتنب الذين جاؤوا الى الاراضي السورية ( وهذا ما سمعنا وقرانا الحديث عنه كثيرا في الفترة الاخيرة ). وبدراسة واثع الدول الحدودية مع سوريا، نجد ان افضل ممرات من هذا النوع هي تلك المؤدية الى الساحة العراقية، كما ان هذه الساحة هي افضل “ساحة بديلة “.
اما الاتجاه الثاني قهو اتجاه استمرار الصراع المسلح في سوريا، وهنا لا بد من تطوير الوضع لصالح المعارضة المسلحة، خاصة بعد ان سارت الامور في المعارك الفاصلة الاخيرة لصالح الجيش السوري. وهنا يكون تفجير الساحة العراقية واحدا من وسائل التطوير المذكور.
ولعل مقالا للدكتور محمد المسفر غداة راس السنة يلخص هذا الامر اذ ينه يختتم بعبارة بليغة: “إذا أردنا أن نهزم الطغيان وجبروت الحكم في الشام فلا بد من قطع موارده القادمة من بغداد”.
والحقيقة ان الدكتور المسفر قد فاجانا بهذا المقال، بعد ان كنا قد قرانا له مقالات اخرى شديدة الموضوعية فيما يتعلق بالموضوع المذهبي، وهو السعودي- القطري،فاجانا لان مقاله ينضح بالمذهبية الى الحد الذي يجعله يعتبر طارق الهاشمي ورافع العيساوي نموذجا للشخصيات الوطنية اذ يكتب حرفيا ان: “حكوكة المالكي تتصيد القيادات العراقية الوطنية أمثال الدكتور طارق الهاشمي والدكتور رافع العيساوي”، وكأن هذين لم يكونا ممن تعاون مع الاحتلال او ممن غرق في الفساد،مثلهما مثل علاوي او المالكي، او كأن كونهما سنّة يغفر لهما براي الكاتب كل شيءويحولهما الى وطنيين. في السياق ذاته يقول الكاتب: إننا نحيي أهلنا في الموصل وديالى وكركوك وصلاح الدين والرمادي على مظاهراتهم وتضحياتهم من أجل إسقاط النظام الطائفي بقيادة المالكي ورهطه وكذلك نحيي الشرفاء في كردستان العراق الرافضين لهيمنة المالكي وزمرته على مقدرات العراق. فهل اصبح الاكراد اكثر قربا لمن يدعي القومية العربية من اهل البصرة وبغداد مثلا؟ ام ان المعيار هو فقط المعيار المذهبي؟
كان الكاتب قد بدا مقاله باستعراض احوال العرب في كل اقطارهم لينته الى القول: ” هذه القلاقل وعدم اليقين ما كانت لتكون لو أن العرب جميعهم حافظوا على العراق الموحد وحافظوا على استقلاله وسيادته لو فعلوا خيرا في العراق وشعبه العظيم ولما أصاب دول الخليج العربية ما يصيبها اليوم من قلاقل واضطرابات والخوف من المجهول ولما أصاب سورية الحبيبة اليوم من قتل للشعب دون تمييز ودمار وتعنت قيادة فاشلة شعارها المرفوع “أحكمكم أو أقتلكم وأدمر منجزاتكم الحضارية”. واذا كان لا يمكن الاختلاف اطلاقا مع الجزء الاول من هذه الفقرة، فان السؤال البديهي الذي لا بد من توجيهه هو: من هم الذين تامروا على العراق واستقلاله وسيادته؟ ومن اين انطلقت الطائرات والاساطيل لتدمير العراق وسيادته. ومن الذي مول تدمير العراق، كما يمول الان تدمير سوريا؟ هل كانت قاعدتا العديد والسيلية على الارض الاردنية او اللبنانية مثلا؟ اما في الجزء الثاني من الفقرة فثمة سؤال اخر: من الذي يقتل السوريين الان: اهي فقط قوات الحكم ام انها الجماعات المسلحة التي تمول قطريا ( والتي تقتل بتمييز بين المذهب والمذهب بين الطائفة والطائفة)؟ من الذي يدمر المنجزات الحضارية: المصانع والمتاحف ومخازن الحبوب وخطوط النفط والغاز؟ وما هو موقف الدكتور المسفر من ذلك؟ هل يريد لها مد خيرها الى العراق من جديد؟ وهل سنعود الى استعمال الغضب العراقي المشروع وتجييره مذهبيا لضرب العراق وسوريا معا، كي تصان انظمة المشيخات الخليجية؟
الغريب ان الدكتور القطري يذكر البحرين فيكتب: “في البحرين غليان أرجو الله أن يجعل أهل العقل والحكمة في البحرين يعملوا صادقين جادين على تغليب مصلحة الوطن ووحدته وسلامته واستقلاله فوق مصالح الأفراد والجماعات وتجنيب البلاد مهالك الطائفية”. ثم يذكر السعودية قيكتب: “في المملكة العربية السعودية قلق نسأل الله أن يثبت القوم على العمل الصالح الذي يضمن لهذه البلاد الوحدة والاستقرار والأمن” ونحن اذا نشاركه هذا الدعاء فانما نسال لماذا لا نستطيع تكراره باستبدال اسم البحرين والسعودية باسمي سوريا والعراق مثلا؟ ام ان قدرنا في سوريا الطبيعية، براي اهل الخليج ان ندفع من دمائنا ثمن مصالحهم وبقاء انظمتهم الديمقراطية؟
0 الشعب السوري على القتلة المجرمين القابعين في دمشق.