هل يمكن ان تكون فلسطين فوق الخلافات؟

الربيع العربي، 02-01-2013

كان اسم الجنس يعني اسما علما. القضية لاتعني عند العرب الا شيئا واحدا: القضية الفلسطينية. لكن، منذ 1990 وخاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي اصبحت الكلمة بحاجة الى توصيف: القضية العراقية، القضية التونسية، القضية المصرية، القضية السورية، القضية اللبنانية الخ… وفي اطار هذا ضاع الاسم وضاع المسمى. وتراجعت قضية فلسطين من دائرة الاهتمام الاولى ومن موقع القضية الوحيدة التي توحد العرب الى موضوع تنازع يختلف فيه العرب والفلسطينيين انفسهم كما هو الحال بالنسبة لكل القضايا الاخرى.

كثيرون يبكون ذلك ويرون في التفسخ العربي الحالي خطرا كبيرا تضيع فيه فلسطين وقضيتها، وكثيرون ما يزالون يعتبرون ان الواجب هو وضع الصراع العربي الاسرائيلي فوق الخلافات العربية – العربية سواء كانت بين الاقطار او داخل كل قطر على حدة. لكن التامل العميق في الحالة العربية يدفع الى سؤالين جوهريين: الاول: هل كانت المواقف يوما غير ما هي عليه اليوم، ام ان الفارق الوحيد هو خلع الاقنعة؟ والثاني: هل ان الفلسطينيين انفسهم خارج الاصطفاف والامراض التي تاكل الجسد العربي؟ سؤالين يستتبعان سؤالا ثالثا: هل كان من الممكن تجنب هذا المآل طالما ان القضية القومية الكبرى مجهضة؟

منذ الثامنة والاربعين، كان العرب منقسمين بين من يرى الى قبول بالامر الواقع والموافقة على سلام مع الدولة اليهودية الوليدة، ومن يرى الى خيار الصراع بكل الوسائل لتحرير فلسطين والاجزاء العربية الاخرى التي احتلت معها او لاحقا. هذا اذا تحدثنا عن النظام الرسمي حيث تمت تغطية الامر بتسميات مخففة من مثل دول الاعتدال ودول التطرف،دون ان يسال احد نفسه: الاعتدال في ماذا؟ ان لم يكن في الاهداف القومية المتعلقة بفلسطين؟ غير ان الامر لم يكن ليختلف على مستوى الاحزاب والتنظيمات القائمة ايضا والتي كان بعضها اشد نفاقا من الانظمة،لانه يعرف الشارع ويعرف ان المتاجرة بالعداء للصهيونية يؤمن له حيزا اكبر من الشعبية، خاصة في مواجهته مع الاحزاب القومية التي تضع على راس مبادئها موضوع فلسطين. واذا كانت الانظمة قد اخذت بخلع الاقنعة ابتداءا من كامب ديفيد، فان بعضها ما زال، حتى الان يمارس نفاقا ليس بعده استخفافا بالعقل البشري. كذلك فان بعض التنظيمات السياسية كان وقحا (او صادقا) في خلعه القناع وبعضها الاخر ظل يضحك على عقولنا الى ان وصل الى السلطة. في معادلة جعلتنا لا نصدق اعيننا ونحن نرى غزة تستقبل انطوان زهرة رئيس حاجز البربارة الشهير طوال الحرب الاهلية اللبنانية. واذا بنا نواجه بالامس بمفاجاة كبيرة هي رد موسى ابو مرزوق على محمود عباس الذي هدد بتسليم مفاتيح المقاطعة الى نتنياهو، بالقول بان الاقربين اولى بالمعروف والتفصيل في شرح قدرة حماس على تولي السلطة في رام الله.

لكان الناس قد فقدت الذاكرة، فهل كان رصيد حماس الا رفض اوسلو؟ وهل كانت سلطة رام الله الا اوسلو؟ ام ان الرفض لم يكن الا لتولي الغير السلطة، وجل الطموح الوطني ان هو الا شهوة الحكم؟ ام ان كشف المعسكر الاسلامي العربي، الذي وصل الى الحكم، عن اعتداله ازاء اسرائيل محكوم بكشف حماس عن تعديل في مواقفها؟ وكيف يمكن ان يكون الامر غير ذلك في ظل التحالف مع قطر الدولة العربية الاكثر حميمية وارتباطا عضويا في بالدولة العبرية؟ وفي ظل ما عبر عنه خيرت الشاطر لصحيفة نيويورك تايمز بقوله: نحن جئنا الى الحكم بدعم اميركي مقابل تعهدنا بامن اسرائيل؟

اما غير المعتدلين من الاسلاميين والذين لا يخرجون ايضا عن دائرة دعم دول الاعتدال ( افهم!!) وعلى الاخص قطر، فان سلاحهم وارهابهم لا يوجه الى اسرائيل ولا الى مصالحها وانما الى صدور السوريين والجيش العربي الذي ما زال يشكل التهديد الوحيد للكيان العبري. وربما غدا الى صدور اية دولة او فئة عربية تقتضي مصلحة اسرائيل زعزعتها.

بهذه الوقفة التاملية الطويلة التي يوحيها جواب السؤال الاول تختصر الاجابة على السؤالين الاخرين: الفلسطينيون ليسوا خارج لعبة التقاسم والتكاذب التي تحكم الجمهور العربي، هم الذين لم تكن تنظيماتهم المسلحة والسياسية الا امتدادا للدول والتنظيمات القائمة على الساحة العربية.واذا كان البعض يرى في ذلك خطا كبيرا ويدعو الى الاستقلالية، فانه يقف بعيدا عن حقيقة القضية: هي ليست قضية فلسطين، ولا القضية الفلسطينية، هي قضية الامة، بكل ما يعنيه ذلك من معاني واستحقاقات قانونية وسياسية. وقد كان القوميون السوريون هم الوحيدون الذين يرفضون مصطلح القضية الفلسطينية ويصرون على مصطلح: المسالة الفلسطينية، باعتبارها واحدة من مسائل الامة، لا يغير في الامر ان تكون اهمها على الاطلاق. وها هو الدليل المتواصل يقول انها تخضع لما تخضع له تطورات القضية القومية وتحولاتها على كل الساحات. ومن الهراء القول بوضعها فوق الخلافات لانها – في العمق – جوهر كل الخلافات.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون