من صدام الحضارات الى التدمير الذاتي

الربيع العربي، 24-12-2012

صحيفة لوفيغارو الفرنسية التي تولي الازمة السورية اهتماما استثنائيا، خاصة منذ ان اشترت قطر مقرها وانقذتها بذلك من ازمة مالية، تنشر تقريرا عن جبهة النصرة، بلهجة اقرب الى التبرير، بل والدعاية !! لكنها تورد فيه ارقاما احصائية لا ندري كيف حصلت عليها، اللهم الا كونها معلومات استخباراتية عميقة. تقول الارقام ان عدد مقاتلي النصرة يتراوح من 5000 الى 8000 بقيادة عراقي (الجبوري) وسوري ( او حنس الصحابة) وان هذا التنظيم قد تشكل على يد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي يرفدهم بخبراء المتفجرات. كما تقول ان عدد الاجانب في صفوفهم يعادل النصف في شمالي حلب بينما يتجاوز ذلك في حمص. ذلك اضافة الى تنظيمين اخرين هما “غرباء الشام” المكون من اتراك واسيويين و “احرار الشام” المكون من سوريين وفلسطينيين ولبنانيين.

وفي حوار خاص تجريه الصحيفة مع رياض سيف الذي تصفه بمصدر الايحاء للائتلاف السوري المعارض ( ولا ندري ما هو دور معاذ الخطيب في هذه الحال ). تسال عما سيكون من امر هؤلاء الجهاديين التكفيريين بعد حل الازمة او سقوط النظام، فيجيبها سيف بان هؤلاء سيرحلون عن سوريا الى مكان اخر ! اما كيف سيرحلون والى اي مكان اخر فلا الصحيفة تسال ولا سيف يجيب.

وفي مقال للمعارض السوري نوار قسومة على موقع الحوار المتمدن، تطرح القضية نفسها، حيث يعتبر الكاتب ان عام 2013 سيكون اكثر الاعوام دموية في الازمة السورية، لكنه سينتهي بالحسم بعد الانهاك والمفاوضات الطويلة، السري منها والمعلن، لكنه يتساءل عما سيكون مصير المتطرفين الاسلاميين، خاصة الغرباء منهم، إذا ما تمت صفقة مع الولايات المتحدة مما سيؤدي إلى إرغام ممولي هؤلاء وداعميهم (قطر والسعودية وتركيا بشكل رئيسي) على إيقاف إمدادهم بالسلاح والمال، خاصة وان هؤلاء وصلوا إلى مرحلة الذروة من القوة والعدد والسلاح وانهم قد انتهوا من مرحلة التعبئة والعمل السري وأصبحوا مكشوفين، وهنا سيكونون أمام خيارين إما إلقاء السلاح والبقاء في سوريا وإما القتال إلى أن تنفذ ذخيرتهم.

هذا التوقع المنطقي يبدو مؤلما لانه يعني بقاء بؤر ومناطق اشتباكات لسنوات عديدة لن تؤثر على الحل السياسي المتوقع، ولا على عودة الحياة الطبيعية ولكنه يؤثر دون شك على الاستقرار. وينتهي – بعد حين – باضعاف سوريا والقضاء على هؤلاء الجهاديين الذين يزعج البعض منهم الغرب واسرائيل ولا يبتعد البعض الاخر عن العمالة لهما.

وبهذا الخبث تكون  الخلاصة التي أدركها الغرب – كما يرى قسومة ونتفق معه- هي ان أفضل طريقة لتجنب أذية المسلمين هي بتوجيه طاقتهم إلى داخل حدود الإسلام وضرب المسلمين ببعضهم، أو بمعنى آخر عوضاً عن الصدام الحضاري مع الإسلام صدم الإسلام ببعضه البعض…وهذا ما جرى ويجري بالعراق ويحصل أيضاً في سوريا التي أصبحت الآن ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف الإسلامية. وذاك ما ينسحب على كل العالم العربي.

 

تحليل يؤدي حكما الى استنتاجين خطيرين : الاول ان الغرب الذي يخاف على نفسه من هؤلاء الارهابيين، الذين اقتربوا من حدوده، سيعمل على اطالة امد الصراع في سوريا الى ابعد مدى ممكن، ليتخلص من اكبر عدد ممكن منهم والقضاء على الجسم الصلب لقوتهم، وذلك عبر منع اي حل سياسي بعدة وسائل منها توظيف ادواته في الائتلاف السوري، وهذا ما ستدعمه قطر. والثاني هو انه لا بد من سؤال حول الساحة العربية المرشحة لاستضافة من يتبقى منهم بعد سوريا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون