من البارد الى اليرموك

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 19-12-2012

من جديد تحيلنا احداث مخيم اليرموك في سوريا الى مبدا اساسي يتبلور عندما نقارب الامور من منطلق قومي : المخيم مقدس لان قضيته مقدسة، وخارج هذا الاساس لا قداسة لاحد. والتامر على المخيم يوصف كذلك عندما تكون نتائج الاحداث التي تقع فيه ضارة بالقضية الفلسطينية – قضية الامة.

بالمنطق القطري (بضم القاف ) سيقول الجميع : لا نريد للفلسطينيين ان يتدخلوا بالشان الداخلي لدولة شقيقة، كما يقال بان على لبنان ان يمارس سياسة الناي بالنفس ولا يقال كذلك لقطر اتي يمارس رئيس وزرائها علنا دور الوصي على المطالبين بالتغيير ( التغيير نحو تبعية مدفوعة الاجر محدودة الصلاحية ). وبالمنطق القومي سنقول : ان على الفلسطينيين ان يقفوا على الحياد اذا ما راوا ان الصراع الدائر،  اي صراع، لا يترك اثاره على قضيتهم – قضية الامة. وان عليهم ان يتحركوا – سياسيا على الاقل – لتوجيه الامور باتجاه مصلحة هذه القضية. وبالمنطق الواقعي سنقول ببساطة : لا نريد لمخيم اليرموك ان يؤول الى ما ال اليه مخيم نهر البارد، ليس فقط على الصعيد الانساني، لان مسالة فلسطين ليست مسالة انسانية نتجت عن زلزال او طوفان، بل وعلى الصعيد السياسي المصيري المؤذي لقضية الامة سواء فيها ما يتعلق بفلسطين او لبنان او سوريا او الاردن او العراق. ولا نريد لفلسطينيي اليرموك ان يصبحوا في الخندق الذي يقف فيه من استضاف امس القناة الثانية الاسرائيلية في شمال سوريا وقال لمراسلها : شارون في عيني.

لقد لعب بضعة افراد بنهر البارد في وجه الجيش اللبناني، عندما كان هذا الجيش يتعرض لاقسى الضغوط الاميركية لتغيير عقيدته القتالية، من العداء لاسرائيل الى العداء للارهاب ومكافحته، بما يتضمنه ذلك من فك لارتباط الجيش بالمقاومة وعملهما المشترك في مواجهة عدو فلسطين – عدو الامة. لماذا؟ وباسم ماذا حصلت احداث البارد؟ باسم فتح الاسلام ولجر الجيش الى معركة لا مصلحة لاحد فيها الا لاسرائيل. ومن الذي دفع الثمن؟ الجيش من خيرة شبابه ومغاويره واخيرا في خير قادته واشدهم ضد اسرائيل، ابن الجنوب المقاوم، فرانسوا الحاج. والفلسطينيون المساكين، سكان المخيم، الذين وجدوا انفسهم من جديد في التهجير والعراء والبؤس الذي يسهل تجنيد البعض منهم في معارك دامية لا مصلحة لهم فيها.

اليوم تشتعل النار في اليرموك، والرواية تختلف – دون ان تختلف- فمن يقول ان جماعات اصولية من المخيم، من جبهة النصرة قد تحركوا وانتشروا في الاحياء وبين العوائل، وكمنوا الى ان حلت ساعة الصفر فانتشروا يسدون مداخل الاحياء، ويشتبكون بالتالي مع مقاتلي الجبهة الشعبية، مما استدعى تدخل الجيش بالفصف، ومن يقول ان مقاتلي النصرة والجيش الحر لم ياتوا من خارج وانما هم خلايا نائمة من سكان المخيم نفسه وبقية السيناريو كما هي. سيناريو لا يختلف عما سمعناه من الذين جاؤوا من حلب بعد احداثها، وعقدته ان الجيش النظامي يجد نفسه في هذه الحالة امام عقدة بالغة الصعوبة تنجم عن طبيعة الصراع بين قوات حرب عصابات وقوات حرب نظامية، حيث لا يعود امام الثانية في هذه الحال الا القصف الجوي او البري، وهو خيار صعب وسيء لانه يطال المقاتلين والمدنيين الذين يذوب المقاتلون فيهم كما السمك في الماء بحسب نظرية ماو تسي تونغ التي تبناها ايضا بدقة مناحيم بيغن واصبحت قاعدة ثابتة في حروب العصابات.

من هنا فان الحريص على الناس – وهذا واجب – عليه ان يدعو الى ما دعى اليه هيثم مناع مساء امس، من ابقاء القضية التي تجمع كل العرب فوق صراعات العرب، دعوة لم تلبث ان لقيت تجاوبا فوريا من اسامة حمدان وانور رجا بمداخلتين متعاقبتين.

لكنهما مداخلتان لا تلتقيان مع المبادرة الفورية التصعيدية من قبل خالد مشعل وياسر عبد ربه، حيث سارع الاثنان ( وسبحان من جعلهما يتفقان مرة ) على ادانه الجيش السوري ودعوة “النظام السوري ” الى التوقف عن قتل الفلسطينيين – بحسب تعبيرهما – في عملية تجييش واستفزاز لا تسعى الا الى صب الزيت على النار. وكأن الاول يسدد حسابات لقطر والثاني لاصدقائه الاسرائيليين الذين طالما نشر معهم مقالات مشتركة في الصحف الاجنبية ووقع معهم مبادرات مشتركة في عواصم العالم وتعايش معهم في ربوع فلسطين المحتلة، ذلك بينما كان فاروق الشرع يستفز الغضب الاميركي، وحكم الاعدام الصهيوني وهو يرفض عام 2003الشروط الثلاثة التي طلبها منه وزير خارجية الدولة المتربعة على عرش العالم،وكلها شروط تتعلق في نهاية مطافها بالقضية الفلسطينية: فك الارتباط مع ايران، فك الارتباط مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، واغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في سوريا وعلى راسها – واهمها – مكتب السيد مشعل نفسه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون