مستشار الرئيس واللغة العربية

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 06-12-2012

لفتتني في الدستور المصري الجديد مادة تقول بتعريب العلوم، وللصدفة وجدتني امام مفارقة غريبة وانا ارى الاعلامي الكبير الاستاذ ايمن الصياد، على شاشة التلفزيون بعد مناقشة الدستور في الجمعية التاسيسية يرد على بعض الانتقادات، بصفته مستشارا للرئيس. لماذا؟

قبل ثلاث سنوات تلقيت دعوة من مركز دراسات الجزيرة، وجامعة جورج تاون ومجلة وجهات نظر، للمشاركة في ندوة في الدوحة لمناقشة تقرير التنمية البشرية. كان حدث الندوة، الذي غطى على محاور جلساتها هو الجدل الحاد الذي دار حول اللغة العربية، بدءا من تردي مستوى اللغة العربية في مداخلات بعض المشاركين ووصولا الى الطامة الكبرى وهي استدعاء المنظمين لطالبتين تحتلان المرتبة الاولى على جامعة جورج تاون للحديث امام الحضور : كانت الاولى قطرية والثانية مصرية، وعندما بداتا الحديث بالانكليزية، طلبنا منهما، نهلة الشهال والدكتور خير الدين حسيب وانا، الحديث بالعربية لنفاجا انهما لا تستطيعان التعبير عن نفسهما باللغة الام. وعندما الحت نهلة قائلة : بناتي ولدن في فرنسا وتربين فيها ويتحدثن العربية، حاولت الشابة المصرية ذلك لكنها لم تستطع واعتذرت لتعود الى الانكليزية : قائلة : لا نستطيع التعبير بالعربية، علمونا انها لغة لا تصلح للتفكير العلمي.

كانت المفاجاة كبيرة وانسحب خير الدين حسيب محتجا، بعد ان انسحبت واياه والدكتور محمد المسفر احتجاجا على احد المتحدثين، لينفتح النقاش بعد انتهاء الندوة عن قضية اللغة العربية.

لكن المفاجاة الصاعقة التي تلقيناها بعد الجلسة هي ان الفتاة المصرية – اولى الجامعة – والتي لا تعرف الحديث بالعربية هي ابنة الاستاذ ايمن الصياد رئيس تحرير مجلة وجهات نظر، ومنظم الندوة التي شاركنا بها.

مفاجاة عادت ساخنة بالامس وانا ارى الاستاذ ايمن الصياد على شاشة احدى الفضائيات المصرية.

الشابة الاخرى كانت ابنة احد الوزراء القطريين، وكان الدكتور محمد المسفر يطرح مشكلة اللغة العربية في الخليج، لكن حضور فتاة مصرية، ابنة رجل صحافة واعلام معروف على المستوى العربي طرح سؤالا ابعد : ترى كم هو عدد المسؤولين العرب الذين يربون الولادهم بعيدا عن اللغة العربية؟ وكم هو عدد الذين يقولون ما لا يفعلون ويضحكون على الناس، بما لا يؤمنون. ( خاصة الثوار)

وبتبصر اكبر نسال : اهي مسالة متعلقة بالقدرة المادية على تسجيل طفلنا في مدرسة اجنبية، تجعلنا نعتبر اننا اصبحنا ارقى واكثر تحضرا واستغنينا عن اللغة العربية؟

واذا ما استحضرنا مقولتين اساسيتين : الاولى هي ان اللغة ليست مجرد الفاظ وجمل وانما هي نظام فكري متكامل، يميز حضارة عن اخرى. والثانية ان كل لغة اضافية نتعلمها هي حضارة اخرى ننفتح عليها،

فان ذلك يقودنا الى بالمقابل الى نتيجتين : الاولى وفق أي نسق فكري؟ أي نظام فكري يتشكل اولادنا؟ وهل يمكن لهم ان ينجوا من الانفصام بين نظام فكري لا ينتمون اليه بجيناتهم واسرهم ونظام ينتمون اليه ولا يعرفونه؟ الم تكن تلك ازمة الاجيال التي عاشت في ظل الاستعمار الفرنسي في الجزائر مثلا؟ وبالتالي الن يعيش هؤلاء ازمة انفصامية جوهرها انهم يشعرون بالتعالي على حضارتهم وابناء لغتهم لانهم يتقنون لغة السيد المتفوق، كما يشعرون بالنقص ازاء هذا السيد لانهم يعرفون انهم طارؤون على حضارته ولا ينتمون اليها ولا هي تعترف بهم الا كاتباع، يجهدون في اثبات استحقاقهم لهذه الجدارة. اقول هذا واركز انه لا ينطبق ابدا على من اتقن لغته الام ومن ثم اتقن الثانية والثالثة والرابعة ففي كل لغة اخرى نتقنها اضافة حضارية عظيمة وانفتاح على عالم اضافي يغنينا. بل ان عدم اتقان اللغات الرئيسية في هذا العصر هي قصور شديد في التمكن من ادوات اللحاق بالعصر.

ومن هنا تاتي النتيجة الثانية منطقية : اذا كانت لغة واحدة لم تعد تكفي، واذا كان تعلم اثنتين او اكثر غنى، فماذا نستفيد اذا انتقلت هذه الواحدة من كونها العربية الى كونها الانكليزية على سبيل المثال؟

مقارنات كنا نوجهها الى طلاب المدارس الاجنبية، لكنني اكتشفت مع عودتي الى التدريس الجامعي ان طلابي، كلهم تقريبا، يكتبون بعربية هي اقرب الى الانكشارية، وينتقمون من سيبويه بابشع صنوف التعذيب والتلظي، لعداوة قائمة بينهم وبين الصرف والنحو بوجوههما. علما بانهم لم يكونوا طلاب مدارس اجنبية، قبل الجامعة. فاين هي المشكلة؟

سؤال يحتاج الى الكثير الكثير من التفكير والتحري والاسعافات الاولية قبل العلاجات الجذرية الضرورية. ولكن اول الخيط المؤدي الى الجواب يكمن ولا شك في عقدة النقص الحضاري التي توحد جيل الشباب بكل طبقاته وبكل مدارسه.

واذا كانت العلاجات الجذرية مطلوبة من الدولة والمجتمع، فمن اين نبدا اذا كان بين المسؤولين ورجال الاعلام والفكر من لا يعلمون اولادهم العربية؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون