تقارير اقتصادية دولية متعلقة بالنفط والغاز تبشرنا بخير قادم من الان وحتى عام 2035. التقارير تقول ان العالم العربي لن يكون الاول في انتاج الطاقة النفطية وان الولايات المتحدة هي من ستحتل المرتبة الاولى على قائمة الدول المنتجة بالاعتماد على النفط الصخري والرملي وعلى تكنولوجيات متطورة لا يمتلكها الا القلة في العالم. وزير النفط السعودي علق على ذلك مؤكدا ومضيفا انه مما لا شك فيه ان الطلب سينخفض.
لماذا نعتبر ذلك بشارة؟ لانه ربما خفف الضغط عنا وربما جعل حلم السيطرة علينا اقل حدة وبالتالي اقل تدميرا لكل شيء الا للنفط. فمنذ ظهر النفط في العالم العربي وفي الشرق الاوسط عموما، اصبحت هذه المنطقة هي “المنطقة الحساسة” كما سماها ستراتيجيو الولايات المتحدة في الخمسينات وكما ما تزال تعتبرها جميع القوى الدولية حتى الساعة، بل ان حساسيتها قد تضاعفت مع انضمام الغاز الى النفط.
لا شك ان الموقع الستراتيجي سيبقى هو هو وله ما له من حساسية، وان وجود اسرائيل سيظل محركا اساسيا لهذه الحساسية الدولية، ولكن كل ذلك يكون اضعف لولا النفط.
من جهة اخرى، لعل انخفاض قيمة النفط ستعيدنا من هاوية الحياة الاستهلاكية وقيمها المدمرة الى حقل الحياة الانتاجية وقيمها البناءة. سنتشلنا من ارض التسطيح والتنميط اللذين ترمينا بهما ثقافة السوق والاستهلاك الى فضاء الابداع والجدية اللذين تخلقهما ثقافة الانتاج. وذاك ما لا ينحصر ابدا في الاقتصاد وانما ينعكس على الحياة الثقافية والاجتماعية بكل ابعادهما.
ولكن هل سيكون لذلك عودة مواقع المركز الى دور المركز ومواقع الاطراف الى دور الاطراف، ام سيبقى اغنياء العرب بالمال يتحكمون باغنيائهم بالحضارة؟ ام ان تراجع الثروة النفطية سيجرنا جميعا – وقد اعتدنا الاسترخاء- الى تراجع اقتصادي عام وبالتالي ثقافي واجتماعي؟
الجواب يكمن في الارض، في ترابها وخيرها، في كرمها ومتطلبها من عرق، يكمن في الصناعات الصغيرة وعلى راسها الصناعات الغذائية والنباتية بشكل عام، في الاندراج في احلاف اقتصادية معينة تؤمن كفاءة اقتصاديات الحجم، انتاجا وتسويقا. كما تكمن في السعي الحقيقي الى تكامل اقتصادي عربي انتاجا وتسويقا ايضا، وصولا الى سوق عربي مشترك.
لم يكن معاوية امير نفط، لكنه تمكن من بناء دولة عربية وامن لاحفاده الانطلاق لحكم نصف العالم.
لم يكن المامون امير نفط، لكنه تمكن من رعاية اهم نهضة ثقافية حضارية في التاريخ العربي.
لم يكن عبد الناصر امير نفط، لكنه تمكن من احياء نهضة مصرية وعربية في مختلف المجالات، فامم لمصر قناتها وبنى لها سدها العالي ورعى الاصلاح الزراعي، فانتعش المجتمع بكل فعالياته وعلى كل ساحاته.
لكن انكسار الحلم العربي هو الذي جعل كل شاب يحلم بان يكون واحدا من رعايا امير نفط، وحسب. فهل سيكون ذبول حلم النفط يوما مجالا لعودة الحياة الى الحلم العربي؟