مصر الى اين؟ مصر على حافة الهاوية! مصر الى المجهول! اللهم نجّ مصر! تعليقات سمعناها تتكرر على وسائل الاعلام وفي الساحات العامة خلال اليومين الماضيين، في الوقت الذي خرج فيه القادة السياسيون في المعارضة المصرية بتصريحات واضحة ؛ حمدين صباحي: الثورة لن تسمح بديكتاتور جديد في مصر! محمد مرسي فرعون جديد! تعد على سلطة القضاء! وكأن شيئا لم يتغير، وكأن ميادين القاهرة لم تخرج من 23 يناير.
وراء هذا الضجيج، قرارات الرئيس المصري بتحصين قراراته وقرارات المجلس التشريعي الذي ينتمي الى خطه السياسي من القضاء. ولكن وراء القصتين: القرارات وردة الفعل ما هو اعمق من ذلك ابرزها بعدان: الاول اقتصادي والثاني سياسي. ففي البعد الاول جاء الاخوان المسلمون الى الحكم على ظهر موجة من الوعود الاقتصادية – من بين سائر الوعود – لم تتمكن الحكومة المصرية من تحقيق شيء يذكر منها حتى الان، ولذلك ادعى الرئيس بان قراراته تهدف الى تحقيق استقرار سياسي يسهل عملية التنمية الاقتصادية، محاولا استغلال الاجواء التي نجمت عن نجاح مصر في احتواء موضوع غزة. لكن واقع الامر ان هذا الاحتواء – وان يكن قد ارضى الامريكيين وبعض الاطراف الاقليمية الدائرة في اطارها – قد بدا وكانه عودة بمصر الى مرحلة حسني مبارك، وخلق احباطا كبيرا لدى الذين كانوا يجدون في دور مصر- مبارك في فلسطين، سببا اساسيا في معارضته، فاذا بهم من جديد امام دور وسيط لا اكثر ولا اقل. وهنا يبرز البعد السياسي الذي يتضح في دلالة القرارات الاخيرة. ففي هذا الجانب السياسي لا يقتنع احد ان مزيدا من الديكتاتورية يمكن ان يحسن الوضع الاقتصادي ويدفع عملية التنمية، فقد جربوا ذلك وثاروا عليه. بل انه يشكل ردة على الثورة التي خاضوها وتذكيرا بما استفزهم.
امام هذا التشابك تقف مصر على مفترق، فذات يوم تحالف الاسلاميون في كل العالم العربي مع القوميين في وجه التيار الليبرالي، واليوم يتحالف الليبراليون مع القوميين في وجه التيار الاسلامي، ويبدو ان كل تحالف ما هو في الحقيقة الا تحالف المعارضة ضد السلطة الحاكمة، سلطة لا يتغير الكثير من ادائها فيما يتعلق بالمسألة الديمقراطية عندما تنتقل من هذا الفريق الى ذاك. فهل ان المشكلة قائمة في اساس فهم الانسان العربي لمسألة المشاركة وتقاسم السلطة، بحيث تتحول كل معارضة الى حلم استبدال صورة باخرى على كرسي الحكم ولو باداء ايديولوجي مختلف؟ ام انها عملية اجهاض رؤى ومخزون ثوري وسياسي طويل تخلقه الخصوصية المصرية في مجال التراث الحزبي والتعددية السياسية العريقة.
لقد رأينا الوفد مع الناصريين مع الليبراليين جنبا الى جنب ضد قرارات تنتهك من سلطة القضاء ورقابته، رقابة، هي اضافة الى استقلاليته، في اساس النظام الديمقراطي. ولكن المهم يبقى في تمكن هذه القوى جميعا من حبك علاقة ابعد من الاعتراض. نعم، فطالما وحدنا الاعتراض والقمع ومصادرة الحقوق ومخالفة الاسس، ولكن الديمقراطية تتطلب اكثر من ذلك. تتطلب ثقافة القبول وعدم الالغاء من دون التخلي عن الرؤى والبرامج والثوابت. والا فان كل عملية تغيير لا تعدو كونها عملية استبدال لا تلبث ان تستدعي مصطفى محمود جديدا وميدان تحرير جديدا.