وعادت فلسطين الى الخبر الاول. عادت لتثبت ان لا قضية تتقدمها على الساحة العربية فهي في كل جملة سياسية ضمير مستتر تقديره القضية. انجازات عديدة تحققت عبر المواجهات الجارية، قد يكون ابرزها اثنان : الاول استئناف الاثبات الذي قدمته حرب 2006 في لبنان، وهو اثبات ان القوة الاقليمية الاولى ليست الا نمرا من ورق. فحتى قبتها الحديدية لم تثبت لا امام طائرة بدون طيار تطلقها المقاومة اللبنانية ولا امام صواريخ متواضعة تطلقها المقاومة الفلسطينية. ذاك ان المستطنع يظل مصطنعا مهما سعى. ولذا فان الاسرائيلي غير مستعد للقتال الا بالقصف الجوي، اما المعركة البرية فهي – كما كان الامر منذ بدايات الصراع، استحقاق تتدخل دول العالم لانقاذ الدولة العبرية منه عندما تصل اليه ضرورات القتال. وفي هذا السياق تفهم دعوة الوزير البريطاني لعدم اجتياح غزة : انقاذ لاسرائيل وليس لغزة. وفيه ايضا يفهم تدفق المسؤولين الغربيين على القاهرة للمساهمة في ” التهدئة”، مكللين برجل كان ابرز الرؤساء الديمقراطيين في اميركا. ولا نقول بطوني بلير لان لهذا الرجل قصة اخرى، فهو لا يتذكر انه ممثل للرباعية الدولية الا عندما تكون هناك صفقة يمكنه ان يجني من خلالها عملات مالية محترمة ولا ندري كيف استمر في عمله بعد ان حقق معه القضاء البريطاني بهذه التهمة.
الثاني، هو ان المواجة اعادت اللحمة الى الساحة الفلسطينية، ولم تعد غزة مجرد حماس، ولم تعد الضفة خارج قصة غزة. لان الامر يكمن باختصار في معادلة بسيطة : الهزيمة خزي والكل يسعى للتخلص منه ورميه على الاخر، والانتصار او الصمود فخر والكل يسعى الى الاضطلاع به. معادلة لاتنطبق على القيادات فحسب وانما على المواطن الفلسطيني العادي، فهو يعرف انه اول من ثوّر العالم العربي، ثم يرى نفسه في اخر صف المستسلمين ينتظر المساعدات والمانحين كي يدفع رواتب المناضلين السابقين. كما يرى انه لم يبتعد فقط عن هدف تحرير فلسطين وانما عن وحدة ما تبقى منها خارج الاحتلال.
غير ان هذا الصمود سينتهي الى تهدئة، والتهدئة ستترجم بهدنة طويلة الامد، فهل سيعرف السياسيون ان يحققوا للفلسطينيين ما يحققه المقاتلون والناس العاديون؟ سؤال يبقى برسم الزمن وبرسم الشك الذي عودتنا عليه التجارب السابقة حيث كان كل انتصار عسكري يتحول الى هزيمة سياسية عندما يوقف اطلاق النار. واذا كان لنا ان نعود الى ما تسرب من شروط الهدنه، فيكفي ان نلحظ اننا لم نسمع بينها شيء عن بحر غزة، اللهم الا حرية الصيادين، غير ان في هذا البحر الان امر اخر هو جوهر كل الصراعات الدائرة في المتوسط، ان لم نقل في العالم : الغاز. فماذا عن غاز غزة؟ المصادر الغربية تقول ان الشركات القبرصية الاسرائيلية بدات التنقيب في المتوسط وانها لا توفر شواطىء غزة. والمصادر نفسها تقول ان زيارة امير قطر الى القطاع لم تكن ببعيدة عن هذا الموضوع، وان مساعداته للفلسطينيين لم تكن الا مقدمة لطلب التعاون في عملية استخراج الغاز مع الشركات المذكورة. تعاون يعطي سلطات غزة دخلا محترما يحسن حياة الناس خلال فترة الهدنة، ولكنه يقودهم تدريجيا الى التراخي، في حين ان الريع الاكبر يذهب عنده للشركات المذكورة. ولذلك قال المعترضون على رعاية مصر للهدنة من مثل نائب وزير الخارجية الاسبق، ان هذه الرعاية فخ لمصر، وتحميلها مسؤولية هدنة يستفيد منها اخرون. واضاف احد هؤلاء من على شاشة روسيا اليوم قائلا : لتضمن هذه الهدنة تركيا او قطر. غير ان مصر ليست ببعيدة عن موضوع الغاز، مثلها مثل قطر، ومثل بلير ومندوبي اوروبا. فكيف سيكون التعامل من الطرف الفلسطيني، وهو في موضع القوة الان، مع الحقوق الفلسطينية الاقتصادية؟ وهل سيعرف ان يحتفظ بقرار مستقل يمنح بموجبه حق التعاون لمن يؤمن الوقوف مع المصالح الفلسطينية، ليس بحفنة من منح وانما بتثبيت حقوق وطنية لا يكون الفلسطيني فيها نعجة، وقد اثبت انه ليس كذلك؟