فضيحة ام شهادة لبي بي سي

صحيفة العرب اليوم، 14-11-2012

العاصفة التي ضربت المحطة البريطانية الاكثر عراقة والاكثر مصداقية في العالم، لم تزلزل اعمدتها ومصداقيتها فحسب، وانما تثير في الذهن ترددات زلزالية تتعلق بمصداقية كل وسائل الاعلام، خاصة السمعية – البصرية التي ارادت ان تكون البي بي سي نموذجها.

من المدير العالم جورج ايتويست الذي لم يمض على استلامه لمهامه الا خمسة وخمسين يوما والذي اجبر على الاستقالة الى مدراء التحرير الذين حولوا الى التحقيق، المجموعة البريطانية كلها تهتز تحت ضربات العاصفة، ولذلك راى كريس باتن المشرف العام من قبل المجموعة الاوروبية على المجموعة الاعلامية ان الاسراع في الاجراءات العقابية لا يقبل التاجيل كما رات وزيرة الثقافة البريطانية ماريا ميللر انه لا بد من السرعة والصرامة كي تتمكن بي بي سي من استعادة مصداقيتها وسمعتها لدى الجمهور البريطاني والاوروبي.

واذا كنا نحن كاهل اعلام، خبراء وصحافيين وجمهور عربي نشعر اننا اقل تاثرا بالموضوع من الطرف البريطاني، الا اننا لا بد وان نقف متاملن ازاء القصة كلها والاجراءات، اولا لاننا نتلقى بي بي سي باللغة العربية، وبالتالي نتلقى منها رواية ما لقضايانا ومجريات الاحداث في بلادنا وتحليلها، مما يجعل هذه المحطة مساهمة في تشكيل رؤانا منذ الخمسينات على الاقل ( اذاعة ومن ثم تلفزيون ) وثانيا لان ظروف الاعلام العالمي اصبحت في عصر العولمة اشبه بالاواني المستطرقة ولنا ان نسال هل ما يتم انتهاجه في بي بي سي يتم في وسائل اعلامنا السمعية البصرية التي اصبحت بغالبيتها فضائية، بمعنى ان فضاءها اصبح – لا العالم العربي كله فحسب وانما الفضاء الجيولغوي لكل من يفهم العربية، حتى ولو لم يكن يكتبها ويقراها. علما بان اداءها يظل رغم كل شيء اقل مهنية وموضوعية من اداء بي بي سي.

دون الدخول ف التفاصيل، تتلخص فضيحة البي بي سي في امرين : خبر مشين، عن شخصية سياسية في ادارة مارغريت تاتشر، وحرمان هذا الشخص من حق الرد، ليتبين بعد سنوات ان الخبر غير صحيح مما اكد عدم قيام سلطات المحطة بالتحقيقات الكافية للتاكد من صحته.  وقد ركز البيان الذي اصدرته ادارة المحطة على العنصرين الاخيرين : ” التحقق الصحفي الاساسي الدقيق من المعلومات ”  و “الحرمان من حق الرد”  معتبرا اياهما ” امرين غير مقبولين ” ولذا فهما جوهر القضية وجوهر تجريم المسؤولين عن البرنامج والمحطة.

بل والانكى ان التحقيقات الجديدة قد كشفت على مذيعا في برنامج نيوز نايت الذي بث الخبر، كان هو نفسه من يمارس التحرش الجنسي بالاطفال، وذاك ما انهم الرجل السياسي به.

اعصار الاسئلة الذي يطالنا امام كل هذا : يبدا من : هل لنا ان نعجب ب بي بي سي، وهي تعود بعد سنوات لتعيد الحق الى نصابه وتعاقب من تجرا على مهنيتها ومصداقيتها الصحفية، هي المؤسسة الاكثر شهرة في هذا المجال؟ ام ان علينا ان نتعلم الشك المنهجي فيما تقوله؟

واذا كان علينا ان نتعلم الشك المنهجي النقدي فيما تقوله المجموعة الاعلامية الاعرق والاكثر مهنية، فكيف يمكن لنا ان نتلقى ما تنقله المحطات الاخرى؟ واذا كان عصر ثورة الاتصالات قد اتسم حتى الان باكثر شوائب اللامصداقية واللاموضوعية ( مما لا تشكل بي بي سي نقطة في بحره ) فهل لنا ان نحلم يوما بان تاتي ادارات تحاسب على الكذب والتضليل الاعلامي وتحوير الاخبار وفبركة الاتهامات في امور قد تتجاوز مجرد تهمة تحرش جنسي؟

ويبقى سؤال اخير ينعكس على الجميع : ترى لو لم يكن المحافظون في الحكم في بريطانيا، فهل كانت بي بي سي ستعاقب على تعرضها لرجل مارغريت تاتشر ويعاد اليه اعتباره؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون