الكونغرس

شؤون دولية، 12-11-2012

كل العيون مشدودة إلى الرئيس، وليس في ذلك غرابة فما تزال الولايات المتحدة أهم دولة في العالم حتى ولو لم تعد تتربع وحدها على عرشه. لكن ضوضاء الرئيس تحجب الوجه الآخر المهم للانتخابات الأمريكية وهو أنها ستفرز كونغرس جديدا. وكلنا يعلم أهمية الكونغرس في الحياة السياسية الأمريكية وقدرته على الحد من توجهات الرئيس أو تشجيعها، خاصة الاتجاه لشن حرب خارجية. قدرة تأكدت في عهد الولاية الثانية للرئيس السابق جورج بوش الابن، بعد أن قدم العديد من الأعضاء الديمقراطيين، ومنهم المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية آنذاك السيناتور باراك أوباما، وحتى بعض الجمهوريين مشروعات قوانين توجب على الحكومة عدم الدخول في حرب ضدّ إيران إلا بموافقة من الكونغرس. وعليه تمكنت تلك المجموعة من الحد من اندفاع الرئيس ومساعديه – يومها- لشنّ الحرب المذكورة.

أما اليوم فتعد انتخابات الكونغرس مفصلية في تحديد التوجهات العامة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، سواء بالنسبة للعلاقة مع روسيا والصين ودول البريك(BRIC) عموما، أو بالنسبة للعلاقة مع أوروبا أو بالنسبة للسياسة الأطلسية، أو بالنسبة لما يعنينا مباشرة أي السياسة التي ستتبعها الإدارة الجديدة إزاء قضايا الشرق الأوسط، خاصة الملفين السوري والفلسطيني. وهما الملفان اللذان جاء سيرغي لافروف لأجلهما إلى المنطقة وخاصة إلى عمان، في تحرك استباقي للتحرك الأمريكي القادم بصيغة أو بأخرى. في حين كان يقابله تحرك للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وطرح لخطة صينية بشأن سورية، فيما يبدو بمثابة إعلان عن عودة التعددية القطبية التي لا تنكر دور واشنطن.

هذا القبول بالتعددية يبدو واضحا في مواقف اوباما الذي يدعو إلى عودة الولايات المتحدة للعمل مع الشركاء الدوليين؛ لأنّها لا تستطيع منفردة أن تحلّ كل الأزمات العالمية، ويؤيد اتباع سياسة «الحوار أولاً» مع إيران، مما قد يتجه إلى تسوية سياسية دولية بشأن سورية كما يتجه إلى استعادة دور أمريكا وسيطاً نشطاً في تسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي. غير أن الرئيس يحتاج في ذلك إلى كونغرس مؤيد، وهذا ما يستبعده الخبراء لأنهم لا يتوقعون حصول الديمقراطيين على أغلبية في مجلس النواب، كما يتوقعون لهم أن يحافظوا على أغلبية ولكن ضئيلة في مجلس الشيوخ.

غير أن هذا الكونغرس بمجلسيه، لن يكون مؤيدا من جهة أخرى – حتى في حال فوز رومني – لخوض حروب جديدة يراها معظم النواب غير ضرورية. وربما أدخله ذلك في مواجهة مع فريق الرئيس الجديد، علما أن هذا الفريق يتشكل من 24 مستشارا 17 منهم هم من بقايا فريق الرئيس بوش. غير أن إدارة الحملة الانتخابية تختلف عن إدارة البيت الأبيض، والتعامل مع الناخب فحسب تختلف عن التعامل مع الكونغرس والدبلوماسية الدولية ومصالح الولايات المتحدة في الخارج. مصالح أصبحت على قدر من التعقيد، خاصة مع الأزمة المالية ومع المتغيرات الجوهرية الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط. حيث لم تستقر بعد الأوضاع في دول الربيع العربي، ولم تستقر معها معادلات عودة التنافس المتعدد الأقطاب على هذه الساحة. كما أن تحذيرات الأخضر الابراهيمي المتكررة من امتداد النار السورية إلى دول أخرى، ليست من باب التخمين وإنما تستند إلى معلومات لا تخفى على واشنطن. ولا بد أن العاصمة الأمريكية بسلطتيها التنفيذية والتشريعية لا تريد أن تطال هذه النار مراكز نفوذها وتحالفاتها المستقرة، وخاصة تلك النفطية منها. لأنها لم تستقر على عرش العالم إلا بفضل هذا النفط، وإذا كانت اليوم تجد نفسها مجبرة على تقاسم العرش فإن ذلك لن يعني أبدا التخلي عن مراكز نفوذها وقوتها، مما يعني الحفاظ على استقرار هذه المراكز، وهو ما يتناقض مع منطق الحرب. ولو بثمن الدخول في حلول وسط.

هنا سيكون دور الكونغرس أساسيا، ليس فقط في رفض الحرب وإنما في فرض مضامين الحلول والصفقات وأولويات المصالح.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون