اللوحة عن بعد

الربيع العربي، 24-10-2012

في قواعد تامل لوحة تشكيلية ان يبتعد الناظر عن اللوحة اربعة اضعاف حجمها، وفي قواعد السينما ان تجلس في اخر القاعة لا في مقدمتها، مما يترجم بفارق سعر التذاكر.

تطبيقا على المشهد السياسي لا يمكن لك ان تسوق تحليلا هادئا رؤيويا وموضوعوعيا ان لم تتخذ مسافتك من الحدث، متجاوزا ما تفرضه انيّة الخبر.

مع فارق الحجم والتحدي، وفارق الاطار يذكرنا صراع الاصوليين الاسلاميين الجهاديين في سوريا بالحرب العراقية الايرانية، من حيث نظرية الاحتواء المزدوج التي نظّر لها ستراتيجيون اميركيون من اهمهم مارتن انديك، اليهودي الصهيوني الذي رئس مركز دراسات منظمة الايباك ( اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة) في حين كان يقيم فرعا لهذا المركز في اسرائيل.

الاحتواء اليوم ليس لدول، ولكن نظريته، اذ تبسّط، تعني تخلصك من عدوين في ان واحد بضرب احدهما بالاخر، وصولا الى اضعافهما معا والوصول الى احتواء خطرهما.

في سوريا سيق الجهاديون من كل انحاء العالم الى قتال القوات النظامية( مراسلة الغارديان تؤكد ان الاوامر للمجموعات المسلحة، توجه في حلب بست لغات تعددها ومن بينها الفرنسية)، وصيغت التعديات بما يجبر الجيش السوري على التدخل المباشر، فخسر الجيش العربي الاعرق في مواجهة الاستعمار الغربي ومن ثم الصهيوني في الحرب الداخلية ما لم يخسره في مواجهة اسرائيل. تحولت الارض السورية الى مصفاة يتخلص فيها الجميع من قاعدته واصولييه الجهاديين بتنظيماتهم المختلفة، المعروفة وتلك التي لا يعرف احد كيف تشكلت ولمن تتبع ومن الذي يحركها. حتى ان خيوط هذا التحريك ليست عمليا بيد الدول الممولة، لانها هي بدورها تنفذ اوامر وستراتيجيات لم تضعها ولكنها تنساق فيها صاغرة او خائفة.

وهنا سؤال  يطرح نفسه: . افلم يكن ذلك برنامجا ذكيا بلورته الانتلجنسيا الامنية الغربية، يقوم على دفع هؤلاء جميعا الى سوريا وتسهيل وتمويل انخراطهم في حفلة الدمار على ارضها، وهناك تضرب عدة عصافير بحجر: 1)تدمير الدولة والمجتمع السورييين، 2) بلبلة وتحوير الحراك الشعبي  حتى لا يبلغ مدى الثورة، ومنع القوى الحية في الشعب من تحقيق إرادتها في التخلص من إسار ماضي الطغيان لكي تنجز ما تستحق في غدها.  3)كشف هوية هؤلاء الافراد وهذه الخلايا على ساحات متعددة وخطيرة، 4)التخلص منها بتسفيرها، 5) قتل اكبر عدد من هؤلاء على يد القوات السورية ( اي تدمير جسمهم القوي)،6) ربطهم استخباراتيا وتمويليا بدول واجهزة اطلسية او عاملة لحساب الاطلسي، 7)تامين بيع كميات هائلة من الاسلحة لهؤلاء يعود ثمنها الى صناديق مصانع الاسلحة الغربية ( خاصة الاميركية والفرنسية) فيما يساهم بتخفيف الازمة الاقتصادية، خاصة وان من يدفع هي الدول العربية النفطية، راضية ام صاغرة ام خائفة.  8) بقاؤهم جاهزين للانتقال الى اية ساحة اخرى تقتضيها مصلحة تزوقها لهم الستراتيجيات المعنية.

 

 

ليبرز سؤال اخر بديهي: هل كان التغيير مطلوبا في سوريا؟ ام ان المطلوب هو تدمير البلد بامكاناته الاقتصادية، اولا، ونسيجه الاجتماعي وقدرته العسكرية. وها نحن نسمع محطة العربية تقدم على مدى يومين برنامجين يحملان دلالة كبرى: الاول يتحدث عما يسميه بعد الاسد ( وهو في الواقع خطة الحل او شروطه ) ويبرز فيها شرطان: اعادة الاعمار بمليارات هائلة، وتحجيم الجيش والقوى الامنية.  اولم تكن تلك مهمة بريمر في العراق؟ والثاني يتحدث عن التوزيع الطائفي والمذهبي في سوريا ويرسم له خريطة جغرافية متحدثا بكل وقاحة عن تقسيم البلد الى كيانات ( سنية، علوية، مسيحية، درزية، كردية ) فيما يبدو المذيع المريض نفسيا، سعيدا وشامتا جدا بشرحه للخريطة الجغرافية بخطوطها التقسيمية المطروحة. وهنا نعود الى السؤال: هل يختلف ذلك عن المؤامرة السابقة اللاحقة على العراق ولبنان؟

يبقى ان هذه الامنيات الثارية او العميلة او الحسابية ( حيث يعتبر بعض الحالمين بالانفصالية، ومنهم على سبيل المثال سمير جعجع في لبنان، ان قيام كيانات كهذه يسهل تحقيق حلمهم بكيان طائفي) – ليست امنيات قدرية التحقق. حتى ولو كانت اسرائيل هي المستفيد الاول منها.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون