جبل النفايات

صحيفة العرب اليوم، 16-10-2012

انهار جبل النفايات فقتل رجلا… النفايات جبل.. النفايات جبل منظور ومجموع في صيدا، نفايات كل لبنان، بل بالاحرى نفايات سوليدير في كل لبنان… هكذا جمعت في صيدا وتكومت حتى اصبحت جبلا، تمر مرغما بظله كلما ذهبت الى الجنوب، ومرغما تختنق برائحته النتنة، وتسبح بحمد الذي منح ابن صيدا ثروة سمحت له بان تكون نفاياتها وحدها بحجم جبل، وتسبح مرة اخرى بالحمد لله لان هذه النفايات ليست كل ما وزع من خيرات على كل لبنان، فهناك الكثير من المدافن والسهول وما هذا الجبل الا قمة جبل الجليد منها.

جبل النفايات، لا يخجل، ولا يخجل منه من جمعوه ونصبوه اهراما شامخا، ففي لبنان عبر التاريخ هرم واحد هو هرم ايل في راس البقاع، الذي سحب منه اللبنانيون اسمه التاريخي واسموه القاموع، وحوّروا لفظ الاسم ليطلقوه على مدينة الهرمل. لكن الساحل اراد ان ينافس الجرد فانشا هرم نفايات.. الساحل لا يريد هرما ولا رائحة نتنة، لكن الذي يريد هو اقوى من انوف الناس ومن صحتهم التي يقضي عليها التلوث، فالشركات التي تمثل شركات باطن لمتعددة الجنسيات هي سلطة فوق الدولة وفوق الناس.. هذا اذا كان هناك دولة او اذا لم تكن هي الدولة.

اللبنانيون الذين يصيحون بنزع سلاح المقاومة لانه دولة ضمن الدولة، ويرونه خطرا على البلد، لا يطالبون بنزع جبل النفايات وحقول ومدافن النفايات على امتداد لبنان، ولا يعترضون على ان الشركات المعروفة الملكية هي فوق الدولة وفوق الناس، وتنتزع ارواحهم من اجسادهم بصمت التلوث الفاضح…يروحون ويجيئون، يمسكون انوفهم بالابهام والسبابة، ثم يشيرون بها الى الجبل وما وراء الجبل ويصمتون. بل ويتندرون بان جبل القمامة راح ينبت اشجارا ونباتات – بيولوجية طبعا.

في الشمال، دفنت نفايات نووية في اعلى الجرد، فاجتاح المرض بعض الاشجار، وابيدت على سبيل المثال اشجار اللوز، وفي قريتي الصغيرة، مات احد عشر شخصا في عام واحد بمرض السرطان، وكرت المسبحة، والناس يروحون ويجيئون وينتخبون من دفن النفايات.

اما الاعلام، ففي هبة قصيرة هرع تلفزيون الجديد للانتقال الى مواقع بعض حقول النفايات، وسمح للمواطنين المخنوقين بالحديث، لكنه لم يلبث ان صمت ووقف في الصف!!

امس انهار جبل النفايات في صيدا، قتل رجلا قتلا مباشرا، فاجبر الاعلام على الكلام، كما لا يجبره الاف الذين يموتون بشكل بطيء غير مباشر.

كم من جبال نفايات تتراكم وتعلو في امكنة كثيرة من العالم العربي، فلبنان الفضيحة والمفضوح ليس وحيدا في تميزه بالنفايات، حتى ولو اصر اهله على انه كذلك حتى في النفايات، والفساد الذي يرتفع اهراما من نفايات في كل مكان يحتاج الى فجاءة انهيار ما ليقتل رجلا قتلا فوريا، كي تضطر وسائل الاعلام ان تورد الخبر دون ان تتحدث عن خلفيات تكون الاهرامات القميئة هذه، ودون ان تتحدث عن الجهات التي تبنيها، لتبني ثرواتها. وكلاهما من عظام الناس.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون