أخيرا وصلني عنوانك الإلكتروني

سوريا، 11-10-2012

كان بودي أن أكتب لك منذ آب الماضي حين كتبت مقالك عن “الصمت المدان” وتطرقت فيه إلى موقفي من قضية اغتيال قادة الجيش السوري في تفجير مكتب الأمن القومي، وتساءلت لماذا لا يسمع صوت نزار نيوف الآن!؟

أحسست أن في تساؤلك شيئا من الاستنكار، ولذا أحببت أن اشرح موقفي في الوقت الذي أستغل فيه المناسبة لأشكرك على ما كتبته.رغم أني لم أفعل سوى واجبي. فأنا كنت دائما ممن يذكر بمناسبة دون مناسبة بضرورة الفصل بين السلطة والدولة، رغم أن الحدود بينهما كادت تتلاشى كليا في بلادنا. من المؤكد أني لا أقبل، أخلاقيا وسياسيا وإنسانيا وقانونيا، مبدأ الاغتيال والإرهاب، حتى ضد أشخاص نالوا منا ومن أهالينا يوما ما، فكم بالأولى تدمير مقدرات بلد على نحو منهجي إجرامي لم يعرفه العالم العربي في تاريخه إلا خلال الغزوات الأجنبية ( كما حصل في العراق وليبيا ولبنان). وحين تدمر مقدرات شعب على هذا النحو، في أي بلد في العالم، فكم بالأولى في بلدي، لا يمكن أن أكون محايدا.

أما بشأن تساؤلك، فأظن أنك ـ وبحكم عملك الأكاديمي والإعلامي ـ أقدر من يستطيع الإجابة على السؤال، أو على الأقل: أقدر من يستطيع التكهن بأسباب غيابي.

كان آخر ظهور لي على الفضائيات في آب من العام الماضي، أي قبل أكثر من عام. وبعدها اتخذت قرارا بمقاطعة وسائل الإعلام بعد أن تحولت إلى حفلة جنون وهستيريا وعصفورية كبرى لا أستطيع مجاراة المشاركين فيها.

في الواقع هذا مجرد وجه آخر للقصة. أما وجهها الآخر فيتمثل في أننا نحن أبناء “التيار الثالث” في سوريا خضعنا منذ صيف العام الماضي إلى أكبر حملة مقاطعة ومحاربة في تاريخ الإعلام العربي، والأجنبي الناطق بالعربية. وقد وصل الأمر في العديد من الحالات إلى درجة من الفجور لا يمكن تخيلها، بما في ذلك مساومتنا كما يساوم القوادون بائعات الهوى، مع الآسف البالغ للتشبيه. ومن قبل منا المساومة، فتحت له وسائل الإعلام على مصراعيها، ومن رفض المساومة، ألقي به في ركن مظلم. هذا مع استثناءات محدودة تتعلق ببعض زملائنا ورفاقنا ( مثل هيثم مناع)، الذي ساعدته علاقاته الشخصية على إبداء قدر أكبر من القدرة على مقاومة محاولات إلقائه في الظل، رغم أنه عانى كثيرا أيضا.

يكفي أن أن أنقل عددا من الوقائع التي حصلت معي لابين مدى الحصار الذي نعانيه:

ـ في نيسان من العام الماضي، كان آخر لي ظهور على ” بي بي سي” العربية. ولأني كشفت عن المد الأصولي في محافظة درعا، وفضحت شريطا لشيخ في أحد المساجد هناك شتم فيه سلطان الأطرش ووصف فيه صبايا جبل العرب بالعاهرات، اتخذت القناة قرارا بوضعي على القائمة السوداء! فقد كان الخط التحريري للقناة منذ البداية يريد استبعاد أي  واقعة إسلامية ـ تكفيرية ـ وهابية من المشهد السوري.

ـ بعدها اتصلت بي “العربية” و”الجزيرة” أكثر من مرة، وكانت المساومة تتراوح ما بين تقديمي كـ”معارض علوي”( كذا حرفيا!) او” الإشادة بالمجلس الوطني”. وكان أمرا بديهيا أن أرفض ذلك مطلقا. فأنا بدأت حياتي شيوعيا، وسأنهيها كذلك. وبالتالي من المستحيل أن أمارس هذا الشكل من النفاق وأقبل تقديمي كمواطن “علوي”( خطيبتي الأولى وحبي الأول” يهودية” دمشقية ؛ وزوجتي الأولى، المفقودة مع ابنتنا سارة منذ العام 1998، مارونية. وابنتي سارة نفسها مارونية معمدة في كنيسة بيت مري. وزوجتي الحالية مسيحية أردنية من مأدبا. فكيف يمكنني أن أقبل بتقديمي على أني”علوي”، حتى إذا وضعت ماركسيتي جانبا!؟). أما المجلس الوطني وتوابعه ومشتقاته، فليسوا بالنسبة لي سوى “ظاهرة لحدية” بامتياز، وشكلا من أشكال عصابات الكونترا.

ـ  حتى غسان بن جدو، المفترض أنه وجه نقيض لهذا الإعلام البغيض، لم يسمح قبل أيام ببث خبر عن انني اعدت  جائزة “صحفيون بلا حدود”، بعد ان منحت لي، احتجاجا مني على موقف المنظمة المخزي من تفجير قناة “الإخبارية” السورية. والغريب في الأمر أن “الميادين”، التي كان يمكن لها أن تجد في واقعة رفضي للجائزة حدثا إعلاميا، بالمعني المهني الصرف، فضلا عن كونه يلائم خطها التحريري، قد منعت بث الخبر! وإذا كانت “الميادين”، التي انتظرناها طويلا، تفكر بهذه الطريقة، فلك أن تتخيلي ما تفعله القنوات الأخرى بنا!

ـ الشهر الماضي كتبت مقالا لصحيفة الغارديان، رفض محرر شؤون الشرق الأوسط فيها، إيان بلاك،  نشره إلا بعد أن اشترط حذف و / أو تعديل أكثر من عشرين جملة !! فهو لا يريد الحديث عن “إسلامية” الانتفاضة السورية، ولا عن وجهها الإسرائيلي ـ الأميركي، رغم أني لم أبق ولم أذر في حديثي عن النظام السوري والدور الدموي الذي لعبه منذ البداية في وصولنا إلى حيث وصلنا!

هذا بعض ما أعانيه ويعانيه الكثيرون غيري. ومن المؤكد أنه لو توفرت لي وسيلة الإعلام التي تحترم موقفي، لما ترددت لحظة في استغلال منبرها. أما وأنها تريد التعامل معنا كأصوات للبيع  فالأفضل هو السكوت والصمت.  احيي ما تقومين به، فهو رصيد لنا جميعا يمكننا أن نصرف منه كلما اشتد من حولنا حصار تجار السياسة ونخاسي الأوطان والشعوب.”

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون