من يحكم من يحكم

الربيع العربي، 07-10-2012

للمرة الثانية تهدد الولايات المتحدة بقطع تمويلها عن منظمة دولية بسبب قضية فلسطين، كانت الاولى في العام الماضي عندما قبلت اليونسكو فلسطين بصفة مراقب. وبالامس عاد التهديد نفسه بوجه الامم المتحدة اذا ما قبلت الاعتراف بدولة فلسطين ولو باي شكل من الاشكال.

غير ان لهذا الاجراء سابقة فعلية مهمة، وهي قطع واشنطن مساهمتها في اليونسكو في اواخر السبعينات عندما نجحت كتلة العالم الثالث فيه، برئاسة احمد مختار امبو ومشاركة فاعلة من الخبير العربي مصطفى المصمودي في جعل المنظمة تتبنى ما سمي بالنظام العالمي الجديد في مجال الاعلام والاتصال ( نوميك ) وهو المشروع الذي ناقش في عدة مؤتمرات متتالية مسالة مصدر تدفق المعلومات والاخبار، اي ما يسمى بمسالة التدفق ذي الاتجاه الواحد. فالتدفق ياتي من الشمال الى الجنوب، وبالتالي ليس الشمال حرا فيما يسوق وما لا يسوق، في القاء الضوء والدفن في العتمة، في التحوير والتضليل، وانما ايضا في جعل الجنوب يرى نفسه كما يراه الشمال او كما يريد له الشمال ان يرى، وهي عملية اعلامية اتصالية تصب في صلب عملية الاستشراق كما حلله المفكر الكبير ادوارد سعيد.

تبنت اليونسكو مسالة محاربة التدفق ذي الاتجاه الواحد، كما تبنت حق الجنوب في ان يرى قضاياه بعينيه، وان يرسل رؤيته هذه للشمال، فقامت قيامة الولايات المتحدة، التي تسيطر على منبع التدفق ذي الاتجاه الواحد، وقطعت تمويلها عن اليونسكو. لم تعد اليه، ولم تعد التمويل الا عام 1992 بعد نشوء النظام العالمي الجديد القائم على احادية الامبراطورية الاميركية وتحديدا بعد حرب الخليج الاولى، التي ثبتت هذه الاحادية اقتصاديا وجيوستراتيجيا. والمهم جدا في الامر، ان احد شروط واشنطن كي تعود الى اليونسكو كان وقف التحقيق الذي باشرته لجنة الحفاظ على التراث الانساني في مسالة نهب اثار مدينة اور في العراق، خلال عمليات الحرب.

عادت واشنطن، وعادت تهدد كلما تحرك موضوع فلسطين، فيما اسواق حلب المدرجة بدورها على قائمة التراث الانساني، تحرق وليس من يدعو الى التحقيق في احراقها. وفيما مدينة بيت لحم التي ادرجت للتو على قائمة التراث الانساني تتعرض لكل انواع تحديات الاحتلال الاسرائيلي، ولا احد يحقق في وضعها، بل يحرم طرح موضوع دولتها على بساط المنظمة الدولية.

انه التهديد بالتمويل… بدا سيفا يشهر للدفاع عن الهيمنة على العالم بواسطة الهيمنة على الاعلام والاتصال، ويستمر كذلك الى جانب حبك كل شيء في سبيل الهيمنة على الاقتصاد والسياسة والسيادة. كل ذلك فيما يعرف الجميع ان مصدر التمويل الاساسي لهذه القوة العظمى التي تهدد بالتمويل هو الدول العربية النفطية بالدرجة الاولى. هذه الدول التي انشات اعلاما فرحنا بانه كسر قاعدة التدفق ذي الاتجاه الواحد، فاذا به يتحول الى صوت بالعربية ممول عربيا لتقديم صورة الجنوب للجنوب كما يريدها الشمال وكما تقتضي مصالحه.

مرة قال اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر : “ليس المهم من يحكم مصر، بل المهم من يحكم من يحكم مصر”.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون