في بداية التسعينات كنت اشارك في مؤتمر للاعلاميات العربيات في تونس. وخلال النقاشات طالبت احدى المشاركات بتوحيد قوانين الاحوال الشخصية الخاصة بالمراة في العالم العربي كله. فلم يكن من احدى المشاركات الخليجيات ان وقفت معترضة بشدة، قائلة: م هذا اقتراح قاتل. لا دعوا لنا التونسية حلما وحجة نتمسك بها عندما نطالب بحقوقنا. ولم تكن القوانين المتعلقة بالمراة في تونس حلما للعربيات فحسب وانما مثار اعجاب للغرب نفسه وللعالم، ونقطة افادت منها تونس دائما في طرح نفسها كبلد متقدم وحديث.
من هنا فان قصة الفتاة التونسية التي اغتصبت قبل ايام من قبل رجلي امن، قد تبدو حدثا جرميا عاديا يتكرر في كل المجتمعات وكل السياقات. ولكن تحويل الفتاة نفسها الى المحاكمة بتهمة المجاهرة بفعل فاحش، وحصول ذلك في تونس بالذات وفي هذه المرحلة بالذات يرتدي اهمية كبيرة، ليس فقط في العالم العربي وانما في العالم. بدليل المساحة الكبيرة التي خصصها الاعلام الغربي للخبر. خاصة وان لفتاة مثلت امام المحكمة مع خطيبها الذي كان معها في السيارة عندما اعتقلهما رجال الامن.
فاي عقاب واي اصلاح اجتماعي، ان يقبل رجل خطيبته ليلا في سيارته على جانب الطريق، فيقوم الامن باغتصابها مرتين!!
غير ان المسالة هنا هي قصة اجتماعية وعقدية وسيكولوجية ابعد من هذا التفصيل بكثير. هي قصة شحن بلغت رغوته الفضاء ضد خط علماني او حداثوي او تحرري معين، شحن يجعل الاحساس بالحق في الانتقام واردا تلقائيا. كماانها قصة شحن محدد ( ولنقلها بصراحة: جنسي) بات لدى البعض من ادعياء الدين اسطوانة مشروخة تطن في الاذهان كل لحظة وكأن ليس لدى الدين من قصة يشغل بها الا اجساد النساء وما يتعلق بها. وكأن كل ما في التعاليم الدينية الجليلة من تناول لكل ما يخص حياة الانسان الدنيوية والدينية، يقع في مرتبة تالية لعلاقة رجل بامراة، بل لشهوة رجل وامراة، لان في علاقة رجل بامراة اشياء راقية وجميلة وسامية لا تقتصر على الجنس. ولان جسد المراة هو وسيلة انسان ليعيش ويفكر ويبدع ويعلم ويشعر ويعقل، لا ليمارس الجنس ويحمل ويرضع فحسب ( على تقدير قيمة الامومة). اضافة الى ذلك ثمة عامل سيكولوجي لا يمكن دحضه: لا يمكنك ان تتحدث للناس طوال الوقت عن امر ما، ولو بصيغة الممنوع، ثم تطلب منهم الا يفكروا به والا يرغبوه… وعندما تكون لديهم احقاد احتماعية معينة، فمن الطبيعي ان يتجه التنفيس عنها نحو هذا الموضوع.
المسالة، كونها في تونس، هي مسالة اغتصاب نظام اجتماعي حديث ومتقدم بالنسبة لحقوق المراة، باتجاه نظام اجتماعي غير متضح الملامح، غير ان ما هو واضح في كليهما هو مسالة الحرية. ولا يقولن احد ان الحرية لا تعني الاباحية، فهذا من باب تحصيل الحاصل، ودفن النعامة لراسها في الرمل. وليتجه من يريد محاربة الاباحية الى الاعلام الخليجي الذي يمطرنا طوفانا من نساء – سلع، نساء نموذج للمومسات اللواتي تعرضهن مواقع تسويق الدعارة، مع فارق وحيد هو ان هذه الصور المثيرة ليست في متناول المتلقي، وانما وظيفتها تعميق كبته، وتشتيت وعيه، وليمض بعدها الى حيث (يفش خلقه)، انحرافا او انتقاما.
ما نحتاجه هو خطاب يقول ان المراة ليست جسدا يغطى او يكشف، وفي الحالين لوظيفة جنسية بيولوجية، مثلها مثل انثى الحيوان، المراة كيان انساني عادي، جسد وعقل وقلب وروح وعلم وفن وقوة وحنان الخ.. من صفات المخلوق البشري. ولتشتغل الثورات العربية بكل ما يعانيه المخلوق البشري في بلداننا من ظلم وحرمان وغياب عدالة وجهل وافقار ومصادرة كرامة… مما لا يميز بين رجل وامراة. ولتترك للمراة التي حققت مكتسبات في مجتمع ما، مكتسباتها، علها تبلغ اخواتها في مجتمعات اخرى.
يبقى ان الحمية المشتعلة التي ظهرت في ردة فعل حركة النهضة على الهجوم على السفارة الاميركية في تونس، لم تظهر ابدا في الدفاع عن انتهاك عرض الفتاة المغتصبة، بل وزع الذنب بينها وبين مغتصبيها.