هادئا اكثر من اي لقاء مضى، تحدث هيثم مناع، رئيس هيئة التنسيق الوطني السوري في الخارج الى الميادين الى غسان بن جدو. وبدءا من هذا الهدوئ يمكن قراءة تطورات جرت او تجري على موقع الهيئة وموقع الطروحات التي تطرحها كمعالم للمستقبل، كي لا تقع سوريا في مجموعة مجاهيل كما قال مناع في حواره السابق مع المحطة.
من جديد اكد على القواعد التي رفعها ثلاثية منذ بداية الحراك : سلمية الحراك الشعبي، اللاطائفية ورفض التدخل الاجنبي. لكنه وان كان يتشبث بالسلمية فانه يعترف، ومنذ احاديث سابقة انه على علاقة ببعض فروع المسلحين التي – كما يقول – حملت السلاح للدفاع عن نفسها، ثم تخلت عنه عندما رات انه تحول، بفعل تحريكه من اطراف خارجية ودخول الوافدين الجهاديين على ساحته، الى اداة لتدمير البلد.
رسالة واضحة الى ليبيا، الى دول الخليج والى تركيا، رسالة مهد لها بالتذكير بمواقفه كحقوقي مؤسس للجنة العربية لحقوق الانسان، في دعم المعارضة الليبية السابقة، والاسلاميين في كل مكان تعرضوا له للاضهاد، من مصر الى غوانتانامو الى غزة مرورا بمحاكمة اردوغان نفسه يوم كان معارضا. توجه الى ليبيا ليقول : لا ترسلوا اسوا ما عندكم من اهل عنف الينا، وتوجه الى تركيا بعنف اكبر مذكرا بان العزة السورية تمنعه من ان يتحمل اسلوب تعاطي الباب العالي سياسيا. عابرا الى تفاصيل التدخل التركي العسكري، حيث يتجلى في احد وجوهه باستقبال المجاهدين واخذ جوازاتهم وتزويدهم بوثائق سورية مزورة وارسالهم الى سوريا. منبها الى واقع ميداني وهو ان هؤلاء القادمين من بلدان احادية المذهب لا يمكن ان يفهموا التعددية السورية، ويعتبرون انهم قادمون لتحرير حق السنة مما اغتصبه الاخرون، وتكفير كل الاخرين بمن فيهم السنة غير الاصوليين… ممما لا علاقة له لا بالتغيير ولا بالاصلاح ولا بالديمقراطية.
توجه الى الخليج بغضب شديد قائلا باللهجة الشعبية : حلوّا عنا ! رغم انه سبق وان ترك الباب مفتوحا امام تحول في السياسة السعودية، يكمن في التخلي عن الحروب بالوكالة، والخروج من عقلية الحرب الباردة، مما يعني واقعيا عدم تغذية اي حرب تقررها الولايات المتحدة الاميركية ضد المعسكر الاخر عربيا او شرقيا، كما ترك الباب مفتوحا لايران وكانه يدلها الى طريق استعادة الثقة في الشارع السوري المعارضة عبر اعمال الاغاثة والانقاذ، (وذاك ما برعت به في لبنان مثلا).
العزة السورية، الثورة السورية الكبرى، التصدي السوري للاستعمار الفرنسي، الباب العالي، استعمال الامثال الشعبية في اكثر من مرة، تكرار اسم دمشق عشرات المرات، التركيز على طبيعة وحدة النسيج التعددي السوري ( قبل الحراك لم اسمع كلمة سنّي – يقول-الا ربما مرتين)، جملة من تعابير تتجه الى السيكولوجية الجمعية السورية لتحيي فيها حس الوحدة الوطنية الفخور، ولتضع المتحدث في موقع حميم في صميم هذا الحس. دعوة لاستعادة وحدة وطنية يضربها الداخل والخارج، وتصليب للاحساس الشعبي الوحيد الذي يمكن ان يقاوم فكرة التدخل الاجنبي. ويمهد الساحة لرؤية الدولة المرجوة : سيادية، مدنية، مدينية، دولة مواطنة حديثة، في مقابل اسلمة تهدف الى محاصرة التيار المدني الديمقراطي الذي تشكل هيئة التنسيق جزءا منه. استحضار جوهري وضروري لعناصر الانقاذ، ان هو الا تبن للمفاهيم القومية، التي لا يمكن اشعار شعب بانه شعب له كرامته وسيادته، وسحق التجزيئية الطائفية والاتنية التي تلغي الشعب وتحوله الى مجموعات تعود الى ما قبل الدولة وما قبل المجتمع، وتتواجه كالوحوش الضارية، فيما يسعى كل منها الى امتداد اجنبي عرقي او مذهبي ليدعمها في وجه اهلها. كذلك لا يمكن بدونها احياء قيمة الدولة والمؤسسات وضرورة الحفاظ عليها ايا يكن الموقف من الحاكم.
ولعل اللافت ان مناع ذكر وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، مرتين، وذكره المذيع مرتين، ولكن دون ذكر اسمه، فيما يؤشر الى الدور الكبير الذي لعبه في عملية المصالحة، التي اختارها اسما وعنوانا لوزارته، والبرنامج الذي دخل الوزارة على اساسه، لكن كونه رئيسا للحزب السوري القومي الاجتماعي، يجعل الكثيرين يقبلونه ضرورة، لانه الجسر الذي يقدم بصدق الدعوة الى الانقاذ، لكنهم يحجمون عن تسويقه كي لا يتعدى ذلك شخصه وموقعه المرحلي.