فيما ينعقد مؤتمر الحركة الناصرية في تونس، احياءا لفكرة العروبة على ارضية الوحدة والصراع ضد الاحتلال الصهيوني، وما يرافقهما من قيم اجتماعية واقتصادية، يصدر عن العاصمة التونسية ايضا بيان الناطق الرسمي لحزب البعث بعنوان: التطبيع خيانة وليس وجهة نظر، ويعمم موقع المقاومة الذي يديره الناشط التونسي احمد المناعي بيانا يستنكر طرد الفضائيات السورية عن عربسات.
في صحيفة الخليج مقال للمفكر المغربي عبد الاله بلقزيز بعنوان: ” تصاب الامة بمصاب مسيحييها”. يحلل فيه هذا المفكر القومي افتعال الفتنة بين مسيحيي المشرق ومسلميه في قراءة تاريخية سريعة ووافية، تبدا من التذكير بان مواقف قادة الطوائف المسيحية في لبنان وسوريا ومصر انما هي نتيجة تاريخ المسيحية العربية، فهؤلاء – كما يقول الكاتب – ” هم حفدة المسيحيين الأول الذين استقبلوا الفاتحين العرب، وفتحوا لهم ديار الشام ومصر لتخليصهم من الحكم البيزنطي، وحاربوا في جيوشهم لرد الغزوة الصليبية المقبلة من الخارج، وهم حفدة المسيحيين العرب النهضويين، في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، الذين كتبوا تاريخ الثقافة العربية (البستاني، فرح أنطون..) وتاريخ الإسلام ومدنيته (جرجي زيدان)، وطوروا اللسان والآداب العربية (فارس الشدياق، أديب إسحق، جبران، أبوماضي، ميخائيل نعيمة..)، وهم حفدة القوميين العرب الأول، الذين أبدعوا – بشكل خلاق – الفكرة العربية في مواجهة الرابطة العثمانية، ثم إنهم صناع فكرة الجماعة الوطنية منذ عقود.”
المهم في هذا الموقف انه ليس موقفا سياسيا بقدر ما هو وعي وخيار تاريخي – قومي، لا يجامل المسيحيين اذ يكمل الصورة بالتذكير ان ما لحق من الظلم بالمسيحيين، خاصة في فلسطين والعراق، لم يكن الا نتيجة التدخل الاجنبي، من الغزو الصليبي الى الاحتلالين الاميركي والصهيوني. كذلك يذكر بان التطرف الديني المسلح، الذي عمل على التدمير والتهجير لم يكن حكرا على المسلمين، ” والا فماذا نسمي نسمي المليشيات المسيحية في لبنان التي أعملت قتلاً في الفلسطينيين وفي اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين”؟ يتساءل الكاتب، ليخلص الى طرح هو الاهم: لا يجوز ان تكون قضية العرب المسيحيين قضية مسيحية، وانما هي قضية قومية يضطلع بها جميع الوطنيين الواعين.
نقول ان هذه الفكرة هي الاهم لانه بدونها تعود المسالة الى مرحلة الحماية الاجنبية التي جرّها علينا الاستعمار العثماني المحتضر، في القرن التاسع عشر، فجرّت علينا، بدورها، تدخل الدول الاوروبية في كل شؤوننا الداخلية، منذ معاهدة الامتيازات الاجنبية، التي لم تكن الا امتيازات تجارية لاوروبا تحت غطاء حماية الاقليات، وحتى معاهدة سايكس بيكو، واخيرا الحروب الاهلية المعاصرة.
واذ نعيش اليوم مرحلة بحث القوى الاجنبية عن امتيازات اقتصادية – سياسية في بلادنا، فان الغرب قد ضم الى علاقته بالاقليات لدفعها نحو الاصولية الانعزالية، علاقة جديدة بالغالبية المسلمة، لدفع من يتوفر منها نحو الاصولية التكفيرية الدموية، وليذهب الجميع ضحية التجهيل المحور والمشوه والموظف للدين، بدعم تحالف الظلاميات والاطماع.
قد تبدو هذه الازمة في جوهرها ازمة مشرقية، ولكن حقيقة المؤامرة ضد العالم العربي تجعلها بروفة لازمات اخرى يمكن افتعالها في كل اصقاع العرب على اسس اخرى اتنية او مذهبية. والاول هو حصة المغرب العربي منها، خاصة بين عربه وبربره، عندما لا تصبح العروبة هوية حضارية قومية بالمعنى الاجتماعي الحديث للقومية القائمة على المواطنة، وانما هوية عرقية مفتعلة.
بذا لا يكون هناك حل لكل ما يتهددنا من تفتيت، الا بهذه الصيغة الاولى للقومية، ويكون ارتفاع اصوات مغاربية، بهذا الوعي وهذا الاصرار، امرا بالغ الاهمية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخنا.
فكم راهن الاعداء على ان الثورة التونسية ستخرج تونس من اطارها العربي، ومن موقعها داخل معسكر المواجهة مع العدو الصهيوني، وستحكمها باسلام اميركي لا تحفظ لديه على ايباك ولا على اسرائيل. وها نحن نسمع من تونس اصوات لا نسمعها من المشرق.
وكم يراهن الاعداء على ان احادية الدين، وحتى المذهب في المغرب العربي ستجعله بعيدا عن فهم تعقيدات التعددية المشرقية، وها نحن نسمع اصواتا اكثر وعيا وعقلانية من الكثير مما نسمعه في المشرق، رغم ان صدورها عندنا امر تفرضه تلقائية الحياة بينما تحتاج هناك الى العقل والقلب معا.
تحية لهم اصدقائي المناضلين: احمد المناعي، فتحي بلحاج، حبيب الكراي وعبد الاله بلقزيز. ولكل من معهم على الطريق.