بعد فوز فدوى طوقان، سلمى الجيوسي وعواطف عبد الرحمن بجائزة سلطان العويس الاماراتية، تفوز اليوم سامية الزرو ووداد قعوار بجائزة التميز الابداعي. واذا كنت اشعر بسعادة كبيرة لان الخمس صديقات حميمات لي، رحم الله فدوى، فانني كاي امراة عربية اشعر بالفخر، اولا بما انجزته كل من هؤلاء النساء في مجالها، وثانيا لان كلا منهن قد حققت انجازها في ظروف اجتماعية صعبة وظلت ترعى مشروعها ككاهن مجوسي طيلة حياتها، وثالثا – وذاك هو الاهم – ان مشروع كل منهن يندرج في سياق العمل الوطني التنويري الحقيقي، سواء في البحث العلمي ام في ادارته ام في صيانة التراث والبحث في مكنوناته ام في الشعر ام في الفن.
وللشهادة فقد رافقت اربعا من الخمس في مشاريعهن، كتبت عنهن وكتبت معهن، وكنت معهن في الميدان، واستلهمت في بداياتي معظمهن. فدوى الشاعرة، سلمى الناقدة وصاحبة المشروع الفريد الذي وثق للادب العربي وللثقافة العربية، للقدس وللاندلس ووضع كل ذلك في كبرى المكتبات العالمية والاكاديمية، عواطف الباحثة الاعلامية التي كانت اول من نبه الى حقيقة وكالات الاعلام الاجنبية وارتباطها بالاجهزة السرية للدول الكبرى، وعملت جاهدة في الدعوة الى وكالة اعلام عربية، ثم عرفت النضال الشعبوي ضد مشروع السادات، لتتلقى خبر وفاته وهي في السجن مع نوال السعداوي وغيرهما. سامية المناضلة بالجمال، تحمله الى كل الساحات والى كل اصقاع العالم، لا يقتصر ابداعها على اللوحة والمنحوتة وانما على ما يتعارف عليه بالمعرض. فلا معرض لديها، وانما مكان عرض يصاغ هو نفسه لوحة تنقل الرسالة بقدر ما تنقلها الاعمال التي تحتله، فاذا الخيمة العتيقة وحجارة الارض وحذاء المقاتل المتروك، عناصر في تشكيل ” خيام وحجارة” الذي تنقل في العالم العربي ومن ثم عبر الى الامم المتحدة وجنيف ودول العالم. واذا مشاركتها النحتية في الجناح الاردني في هانوفر 2000 عائلة فلاحية كاملة تقطف الزيتون في مشهدية رائعة لا ينقصها حتى الصوت والاغاني الشعبية. دون ان يلهيها هذا العبور الى العالم عن الاهتمام الجاد بالاطفال والناشئة، فلهؤلاء يتوجه الفن كاداة بناء وتوعية ذائقية ووطنية. اما وداد، فهي التي امضت عقودا تقرا في غرز الثوب الفلاحي تاريخ امة، تجمع تنويعاته كلها لتنسج كما النساء الاخريات رقعتها – الحكاية، رقعة لم تقتصر على ثوب او بساط وانما جهدت في ان تجمع كل هذه الاجزاء الصغيرة، تحلل رومزها وخصوصياتها، لتنسج منها الحكاية الجمعية الكبيرة التي نسجتها اجيال من النساء بمعرفة او بدون، ولكن المهم بمحبة ومتعة وصبر وانتماء.
الجائزة لسامية ولوداد، هي جائزة لملايين الارواح، لملايين الاصابع، وللحكاية – الذاكرة التي يراد لها ان تضيع. ولكن اوليست المراة هي الرحم الذي يضمن استمرار الحياة؟!
اخيرا، وفيما قد يبدو خارج هذا السياق الجمالي، لا بد من التوقف عند مسالة مهمة، هي مسالة مصادر التمويل، مع مرحلة اصبحت المراة العربية فيها مادة للاتجار لدى سماسرة ومتسولي التمويل الاجنبي الذي اصبح موضة النساء العربيات اللواتي يتصدين زورا للعمل العام، ويحصلن مع التمويل جوائز عالمية تزكي نشاطهن للتخريب او على الاقل لتوجيه الفعاليات النسائية او الخاصة بالمراة في اتجاهات محددة في ستراتيجية الممول. فليس بين اي من هذه النساء من استعانت على مشروعها بمؤسسة اجنبية، رغم ان بعض هذه المشاريع يساوي عمل مؤسسة كاملة، وانما وجدن – عندما احتجن – جانبا عربيا ساعد في الانجاز، ليتكلل ذلك بجائزتين عربيتين من دولة الامارات. ولو اردنا البحث لوجدنا عشرات الامثلة في مشاريع اخرى وفي جوائز اخرى.
عالمان من نساء يعملن بصمت وفرح لتحقيق ذواتهن الابداعية الفردية والوطنية، وفي موسم الحصاد تاتيهن جائزة تقدير، وبين نساء لا تعطى لهن البذور المطلوب زرعها، وتملى عليهن شروط العمل، وتؤجرن على التنفيذ.