صعود القوى العظمى

اقتصاد سياسي، 10-09-2012

فلاديفوستوك، اسم لمدينة تقع في أقصى الشرق الروسي، ولكنه سيصبح اسما لمفصل تاريخي كبير في مجال الطاقة، وتحديدا الغاز، وبالتالي مفصلا تاريخيا في التحول السياسي الذي يشهده العالم، على مستوى التوازنات الجديدة. فلماذا اختارت روسيا هذه المدينة لعقد مؤتمر (الابيك) اي منظمة التعاون الاسيوي – المحيط الهندي؟

” هناك أوروبا وهناك آسيا وهناك عالم بينهما، هو روسيا”. هذه المقولة شائعة لدى السلاف الذين كانوا دائما، ولأسباب تتعلق بالهوية ضد توجه بلادهم نحو الغرب. غير أن هذا الميل لم يترجم دائما على أرض الواقع السياسي، خاصة مع الأباطرة الكبار الذين بنوا روسيا، وهم من أصول أوروبية. لكنه ترجم في مراحل اخرى من عهد الامبراطورية السوفييتية. أما اليوم فان الأمر مختلف، وخيار الاتجاه الذي تدير نحوه روسيا الصاعدة وجهها قد لا يكون سياسيا بقدر ما هو اقتصادي، رغم ان خبراء الجيوبوليتيك يصرون على الجانب السياسي الذي يدين القارة العجوز والغرب عموما، بحيث يقول ليونيد ايفاكوف، رئيس اكاديمية القضايا الجيوبوليتيكية : ” ان ازمة اوروبا هي ازمة غربية، ازمة حضارة ارادت ان تفرض نموذجها على الدول الاخرى في العالم، اما روسيا فهي مؤهلة لان تقدم طريقا ثالثا ”

هذا الوجه من الازمة صحيح، ولكننا في عصر الغاز، وروسيا تعرف جيدا ان صعودها من جديد الى موقعها الدولي الحاسم يعتمد عليه. واذ نقول الغاز نقول ثلاثة امور : استخراجه، نقله وبيعه.

في الجانب الاول، الغاز والنفط متوفران بكميات هائلة في روسيا، حيث ان مخزون حقل واحد يقع تحت بحر بارنت يقدر 400مليار متر مكعب، بحيث يعتبر اكبر حقل نفطي في العالم. لكن المشكلة ليست اطلاقا في وجود الثروة السوداء من غاز ونفط، المشكلة اولا في حاجة الروس الى استثمارات وكفاءات فنية في هذا المجال، وفي عملية النقل. وعليه يتم تنفيذ مشروعات الاستخراج بالتعاون بين غاز بروم وشركات غربية مثل توتال الفرنسية وستاتويل النروجية وشل البريطانية واكسون موبيل الامريكية.

أما النقل فيشكل المشكلة الكبرى، لأن البلاد لا تملك خطوط الأنابيب الكافية لاستيعاب نمو صادراتها التي يأمل الكرملين في أن تبلغ الى آسيا – الهادئ 22 الى 25 % حتى عام 2020 مقابل 9 % حاليا. حيث سيشكل استهلاك اليابان وكوريا الجنوبية والصين حتى ذلك التاريخ 50 % من الاستهلاك العالمي، في حين ان الطلب الاوروبي سينخفض. وضمن هذه الثلاثية تشكل اليابان الهدف الرئيسي فهي الدولة المستوردة الرابعة في العالم، وقد اتجهت الى روسيا لاستيراد الطاقة بعد كارثة فوكوشيما. اضافة الى سببين آخرين يضعانها في المقدمة وهما تخوف روسيا من تنامي قوة الصين، واعتماد هذه الاخيرة على غاز كازاخستان الى جانب الروسي.

مشكلة النقل تحل حاليا بتسييل الغاز ونقله عبر ناقلات بحرية الى اليابان، خاصة. غير ان موسكو لا تملك حاليا الا مصنعا واحدا للتسييل تديره بالتعاون مع شيل وميتسوي.

سبب اخر يجعل روسيا تدير وجهها نحو الشرق وهو ان سعر الغاز المباع الى اسيا اصبح ضعف مثيله في اوروبا، هذا عدا عن انخفاض الطلب الاوروبي بسبب الازمة الاقتصادية.

هذا التوجه يفسر لماذا اختارت الادارة الروسية مدينة فلاديفوستوك الواقعة في اقصى الشرق الروسي لعقد مؤتمر منظمة التعاون الاسيوي – الهادئ، ولتعلن فيه عن موعد تشغيل خط انابيب VSTOالممتد من سوكوفوردينو الواقعة على الحدود الروسية الصينية الى مصب كوزمينو القريب من فلاديفوستوك. وعن انشاء مصنع تسييل جديد في فلاديفوستوك بالتعاون مع العملاق الياباني فار ايست غاز، بحيث ستبلغ الطاقة الانتاجية لهذا المصنع 10 ملايين طن سنويا عام 2017.

غير ان ذلك لا يعني ان موسكو ستدير وجهها عن اوروبا، بل انها تعمل ما بوسعها لعدم تفجر منطقة اليورو التي تستوعب 50 % من صادراتها التجارية، كما انها لن تهمل مد خطوط مع امريكا بدليل التعاون الجديد بين شركة النفط الروسية الرسمية روزينت التي يرأسها ايغور ستشين القريب جدا من بوتين، وبين اكسون موبايل.

هكذا تبني القوى العظمى شبكاتها فيما يتشرذم اهل الثروات العربية، ويربط كل منهم عنقه بحبل واحد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون